“وأضع الترمومتر في فمي وأجده قد زحف إلى الأربعين .. وبدأت أحلم وأفكر في درجة حرارة عالية .. وتخيلت أناسًا لا أدري ما الذي جمعهم في هذه اللحظات العصيبة .. أرى وجهًا باسمًا .. وأرى عينين زرقاوين وأسمع صوتًا ناعمًا، وأعود برأسي إلى الوراء لأقول لها: وداعًا ..ثم أعتدل في جلستي وأقول: لا وداع .. بل سأقاوم!”
“إنني لم أعرف الكثير جداً من هذه الدنيا، ولم أعرف إلا القليل جداً من نفسي.. فعيناي مفتوحتان على الدنيا، ولكنني بلا عينين عندما أنظر إلى داخلي.. إلى الزحام داخلي.. إلى الوحشة المظلمة في أعماقي.. إلى الإنسان الذي نسيته يصرخ ولا أسمعه ولا أتبينه.. ولا أعتقد أنني سأستطيع يوماً ما.. فقد اتسعت المسافة بيني وبينه.. أو.. بيني وبيني.. وإنني في حاجة إلى ترجمان. ترجمان صديق.. يخبرني ماذا أريد أن أقول لنفسي.. ماذا أريد من نفسي، ماذا أستطيع.. ما الذي أقدر عليه..”
“وعاد الشيخ عبدالسميع يقول: وفوجيء صاحب المزرعة الاسترالي بأن قارئاً من أصل عربي يكتشف أن الوردة مكتوب عليها كلمة: اللهقال الأستاذ [العقاد]: بأية لغة يا مولانا؟أجاب عبدالسميع: بالعربية يا أستاذ .. ويقال إنهم وجدوا كلمة: محمد .. أيضاً .. ألا ترى في ذلك معجزة يا أستاذ؟ .. هل الإنسان في حاجة إلى دليل أقوى من ذلك على وجود الله؟ .. سبحان الله .. ماشاء اللهقال الأستاذ: يا مولانا .. وهل نحن في حاجة إلى أن نقرأ اسم المهندس الذي أقام الهرم الأكبر لنعرف أن مهندساً كبيراً قد أقامه؟ .. إن في قيامه وبقائه هكذا أكبر دليل على أن عقلية جبارة وراءه [..] وحتى إذا لم يجد الناس كلمة الله أو محمد على هذه الوردة، فنحن لسنا في حاجة إلى دليل على تنوع القدرة الإلهية في إبداع الكائنات .. النباتات والحشرات والحيوانات والإنسان والنجوم والكواكب. إن بعض الناس يتصور أن هناك طيوراً تقول لا إله إلا الله .. ولكن إذا كانت هذه أدلة على وجود الله، فالذي لا يعرف اللغة العربية لا يجدها كذلك .. ثم إن هذه الطيور أو هذه النباتات إذا كانت موجهة إلى كل البشر فلا ينبغي أن تكون بلغة واحدة .. إنما تكون بلغة كل دولة .. ولكن هذا خطأ في فهم قدرة الله .. فالله في كل لغة له كلمة. وكل كلمة لها تاريخ .. فالكلمات وأصولها لا تهم .. ولكن المعاني هي التي تهم .. فالله معنى وقدرة مطلقة لا أول لها ولا آخر .. وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الإنسان من نصف مليون سنة .. ويظهر هذا المعنى على أدوات الطعام والعمل والعبادة في كل مكان عاش ومات فيه الإنسان”
“انظر إلى حياتك كل يوم.. انظر ولو مرة واحدة.. هات ورقة وقلما واكتب بالضبط ما الذي تفعله أو فعلته اليوم.. لا تخجل إذا أغمضت عينيك وتركت القلم يكتب ثم وجدته يرسم ثورا يدور في ساقية.. فليس عفريتا هو الذي كتب لك.. هذه هي الحقيقة.. أنت تدور وتدوخ.. تذوب.. تتلاشى.. أنت لا تدري ما الذي تفعله.. ولكنك أعمى.. أعميت نفسك.. وليس غيرك أحسن ولا أسوأ حالا منك.”
“عندما مات أبي، لم أجد ما أقوله.. لم أكتب.. لم أتلق العزاء.. ولا عاتبت أحدًا لأنه لم يمد لي يدًا يطلب السلوان لي والجنة لوالدي؛ فقد كان من الضروري أن أشعر بأن والدي قد غاب.. قد بعد عني.. كان يجب أن أناديه فإذا لم يرد أدركت أنه ليس هناك؛ وإذا عاودت النداء أيقنت أنني وأنه لسنا هنا؛ فبيننا مسافات في المكان والزمان.. ولم أكن في حاجةٍ إلى معجزة لكي أشعر بذلك .. فقد اقتربت منه وفتح عينيه وقال كلمة، ولما لم أجد ابتسامته الرقيقة أدركت أنه مات، فقد كان الابتسام مثل النقط فوق وتحت الحروف، فهو إذا قال ثلاث كلمات ابتسم خمس مرات.. وكان لابد أن أقنع عقلي وقلبي، وأن أعيد ترتيب حياتي كلها قبل أن أشيع في وجودي كله أنه قد مات.. ولذلك احتجت بعض الوقت لكي أرى أوضح وأسمع أعمق وأفكر أبعد لكي أسترجع الذي كان، فأجعله كأنه ما يزال حيًا أمامي.”
“آه··لو كانت أفكاري وعواطفي ملفوفة كلها على هيئة بكرة خيط··لها أول ولها آخر· ولها اللون الذي يعجبني ··آه لوكنت أستطيع أن أرتب هذه الخيوط بالشكل الذي يعجبني·آه··لو كنت أعرف مايدور في عقلي··وفي قلبي وفي معدتي ··أنني كثيرا اتلخبط في مشاعري ·· فأحس بالصداع في معدتي، وأحس بالمغص في عقلي،وبالقرف في قلبي··أنني لا أعرف أين يوجد الحب ،ولا أين توجد الكراهية··ولا أين الجوع والعطش··”
“وقبل حرب أكتوبر بأيام.. إلتقى كيسنجر - وهذه قصة معروفة ومنشورة في كثير من الكتب - بوزير إسرائيلي..قال كيسنجر : أنتم منتصرون الآن. ويجب أن تكونوا أكثر كرماً مع العرب، فالعرب كبرياؤهم جريحة، وسوف يكون العرب جيرانكم إلى الأبد. فلماذا عداوة الجار بدلاً من صداقته؟.قال الوزير الإسرائيلي: لا تشغل بالك كثيراً بالعرب.. لقد ماتوا ولففناهم في أكفان كبريائهم. وسوف نتولى دفنهم في قناة السويس. وبذلك يعيد التاريخ نفسه. ففرعون وجنوده قد غرقوا في هذه القناه وهم يطاردون موسى وشعبه.لا تشغل بالك، اترك لنا هذه المهمة التاريخية !”