“هذه العلامات على ابني المراهق أعرفها .. إنه شارد يمضي الساعات صامتًا .. على منضدة الطعام يعبث بالملعقة في طبق الأرز بلا رغبة وبسأم .. بعد الطعام يسند رأسه على كفيه ويتنهد .. إنه يصفر في شراهة .. إنه ينظر للنجوم .. لم يعد يركل الباب عند الدخول كعادته .. صوت فيروز لا يكف عن الصراخ في غرفته . أعرف هذه العلامات .. وبرغم كل شيء أسعد لها .. معناها أن اللعبة مستمرة لم تتوقف ... معناها أن الأرض لن تخلو من البشر .. لكن رفقًا به أيتها الهرمونات .. لا تعذبيه كثيرًا من فضلك .”
“أتفهم رغبة الكثير منّا في الصراخ. هي حالة تجتاحنا حين نشعر بأن ما نختزنه من ألمٍ أو ما نسمعه من أنين لم يعد بمقدورنا أن نحتمله. أن تصرخ أو تبكي في وجه من لا تعرف أقل وطأة بكثير إن فعلت ذلك بوجة من ينظر إليك على أنك صلبٌ وقوي.”
“من يبغي "الارتقاء" باستمرار، عليه أن يستعد يوماً للإصابة بالدوار، لكن ما هو الدوار؟ أهو الخوف من السقوط؟ ولكن لماذا نصاب بالدوار على شرفة السطح حتى ولو كانت مزودة بدرابزين متين؟ ذلك أن الدوار شيء مختلف عن الخوف من السقوط. إنه صوت الفراغ ينادينا من الأسفل فيجذبنا ويفتننا. إنه الرغبة في السقوط التي نقاومها فيما بعد وقد أصابنا الذعر.”
“إن جَوْعة الجسد تلح على صاحبها ليسدّها أولا، هذا مُسلّم به، ولكنها بعد أن تهدأ تتحرك في الكائن الإنساني جوعة أخرى لا يسدها الطعام ولا يرويها الشراب ولا يكفيها الكساء ولا تسكنها كل لذائذ الجسم وشهواته. إنها جوعة من نوع آخر لا بد لها من هدف إنساني أكبر من الملذات، ومن صلة بالكون أشمل من البيئة، ومن عقيدة في قوة أكبر من البشرية، ومن مستقبل دائم النمو لا يقف عند حد محدود. فإذا اطّلعَت الإنسانية على نظام يحمل مثل هذه الفكرة، ويتضمن مثل هذه العقيدة، وفي الوقت ذاته يضمن لها عدالة اجتماعية دائمة متجددة لا تقف عند تسويد طبقة على طبقة ولا عند حدود الاكتفاء المادي، إنما تدع الحياة متجددة أبدا مترقية أبدا، متصلة بعد كل هذا بالسماء، إذا اطلعت الإنسانية على نظام كهذا فذلك حلمها الدائم الذي لا يدركه الفساد. وهذا ما يجعلنا نعتقد بقوة أن المستقبل في أرض الإسلام للإسلام، وأن المستقبل في الأرض كلها كذلك للإسلام.”
“كلمة " يجنن " لم تخرج على ما يرام من بين شفتيها.. تُشبه رأيي في الطعام المسلوق.. مثالي.. لكن ذلك لا يعني أنه لذيذ.”
“إن الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا . فهم خلقوا للخلافة في هذه الدنيا . ولكنه يريد منهم أن يتجهوا إلى الله في أمرها ؛ وألا يضيقوا من آفاقهم , فيجعلوا من الدنيا سوراً يحصرهم فيها . . إنه يريد أن يطلق " الإنسان " من أسوار هذه الأرض الصغيرة ؛ فيعمل فيها وهو أكبر منها , ويزاول الخلافة وهو متصل بالأفق الأعلى . . ومن ثم تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ضئيلة هزيلة وحدها حين ينظر إليها الإنسان من قمة التصور الإسلامي . .”