“و الإسلام يحب للناس أن يواجهوا حقائق الواقع و لا يهربوا منها إلى الخيال المهوم. فإذا كانت هذه الحقائق لا تعجبهم، و لا تتفق مع منهجه الذي يأخذهم به، دفعهم إلى تغييرها، و تحقيق المنهج الذي يريد.و من ثم لا تبقى في الطاقة البشرية بقية للأحلام المهومة الطائرة. فالإسلام يستغرق هذه الطاقة في تحقيق الأحلام الرفيعة، وفق منهجه الضخم العظيم.”
“و ليس كذلك صاحب الدعوة المحددة، الذي يريد تحقيقها في عالم الواقع و دنيا الناس. فلصاحب الدعوة هدف، و له منهج، و له طريق. و هو يمضي في طريقه على منهجه إلى هدفه مفتوح العين، مفتوح القلب، يقظ العقل؛ لا يرضى بالوهم، و لا يعيش بالرؤى، و لا يقنع بالأحلام، حتى تصبح واقعاً في عالم الناس.”
“و أيوب هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله: (أني مسني الضر).. و وصف ربه بصفته: (و أنت أرحم الراحمين). ثم لا يدعو بتغيير حاله، صبراً على بلائه، و لا يقترح شيئاً على ربه، تأدباً معه و توقيراً. فهو نموذج للعبد الصابر لا يضيق صدره بالبلاء، و لا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار. بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه، اطمئناناً إلى علمه بالحال و غناه عن السؤال.و في اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه بهذه الثقة و بذلك الأدب كانت الاستجابة، و كانت الرحمة، و كانت نهاية الابتلاء.”
“إننا لا نبغي بالتماس حقائق التصور الإسلامي، مجرد المعرفة الثقافية. لا نبغي إنشاء فصل في المكتبة الإسلامية، يضاف إلى ما عرف من قبل باسم "الفلسفة الإسلامية". كلا! إننا لا نهدف إلى مجرد "المعرفة" الباردة، التي تتعامل مع الأذهان، وتحسب في رصيد "الثقافة"! إن هذا الهدف في اعتبارنا لا يستحق عناء الجهد فيه! إنه هدف تافه رخيص! إنما نحن نبتغي "الحركة" من وراء "المعرفة". نبتغي أن تستحيل هذه المعرفة قوة دافعة، لتحقيق مدلولها في عالم الواقع.نبتغي استجاشة ضمير "الإنسان" لتحقيق غاية وجوده الإنساني، كما يرسمها هذا التصور الرباني. نبتغي أن ترجع البشرية إلى ربها، وإلى منهجه الذي أراده لها، وإلى الحياة الكريمة الرفيعة التي تتفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان، والتي تحققت في فترة من فترات التاريخ، على ضوء هذا التصور، عندما استحال واقعاً في الأرض، يتمثل في أمة، تقود البشرية إلى الخير والصلاح والنماء.”
“إن الحكومة الإسلامية لا تقوم إلا إذا اقتنع الناس أو غالبيتهم بالصورة التي يرسمها الإسلام للحياة، و عرفوا كيف تكون حياتهم و علاقاتهم و حقوقهم و واجباتهم و تكاليفهم كلها لو قامت حياة إسلامية. و لا يكفي أبداً أن ندعوهم اليوم إلى الإسلام في اختصار و إجمال كما كان يدعوهم الرسول صلى الله عليه و سلم، ففي ذلك الزمان لم تكن هنالك نظريات اجتماعية مفصلة تقابل الدعوة الإسلامية. و ما دامت للإسلام نظريات أكثر تقدماً من كل ما عرفته البشرية اليوم، فلماذا لا نعرض للناس هذه النظريات مطبقة على الحياة الحاضرة بكل علاقاتها و ملابساتها و حاجاتها، حين ندعو الناس إلى الإسلام؟”
“و الحضارة البشرية سارت في طريقها خطوة خطوة وراء الكشوف. و لم تجئ طفرة، لأن خلافة الأرض تركت لهذا الإنسان، و لمداركه التي زوده الله بها ليخطو في كل يوم خطوة؛ و يعيد تنسيق حياته وفق هذه الخطوة. و إعادة تنسيق الحياة وفق نظام جديد لسيت سهلة على النفس البشرية؛ فهي تهز أعماقها؛ و تغير عاداتها و مألوفها؛ و تقتضي فترة من الزمان لإعادة الاستقرار الذي تطمئن فيه إلى العمل و الإنتاج. و من ثم شاءت حكمة الله أن تكون هناك فترة استقرار تطول أو تقصر. بعد كل تنسيق جديد.و القلق الذي يستولي على أعصاب العالم اليوم منشؤه الأول سرعة توالي الهزات العلمية و الاجتماعية التي لا تدع للبشرية فترة استقرار، و لا تدع للنفس فرصة التكيف و التذوق للوضع الجديد.”
“و اللغو فارغ الحديث، الذي لا طائل تحته، و لا حاصل وراءه. و هو الهذر الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زاداً جديداً، و لا معرفة مفيدة. و هو البذيء من القول الذي يفسد الحس و اللسان، سواء: أوجه إلى مخاطب أم حكي عن غائب.”