“ثم نجد من جماعات الإنسان من يريد أن يتنكر لهذا الحق الذى أرادة للأحياء خالق الأحياء,بحيث ترى هؤلاء المتنكرين وكأنهم يريدون لكل فرد معهم أن يتقيد فى تفكيرة وفى سلوكة بقضبان من حديد صنعوها بأوهامهم ,وثبتوها على الارض بجبروتهم ,وا فضيحتاة,وواخجلتاة !”
“إن التاريخ البشري لم يشهد مرحلة واحدة خلت ممن يتشككون في أجهزة الحضارة كلما استحدث شيء منها ، وإني لأتصور الإنسان في العصر الحجري، عندما عرف كيف يقد لنفسه من الحجر سكيناً، لم يخل من رجال يعارضون تلك السكينة، بحجة أن الإنسان قد يقتل بها إنساناً مثله، وينسى مثل ذلك الناقد أنها كلما قتلت بالخطأ إنساناً واحداً، فإنها تكون قد قتلت بالحق ألف ألف من الصيد الحيواني الذي يقتات الإنسان به.”
“إنه لا بأس يا سيدي في أن يصيح مفكر فرنسي كبير صيحة الغضب من العلم الحديث وما تمخض عنه من آلات، أقول إنه لا بأس في أن يصيح صيحة غضبه تلك في أرجاء الغرب، بعد أن شبع ذلك الغرب علماً وأرتوى بالعلم، لأنه إذا كان ذلك الغرب قد شطح بمعلومه وآلاته حتى أنحرف عن جادة الصواب، فبدل أن ينتج للناس خبزاً أخذ ينتج لهم سلاحاً فتاكاً، فإنه ليس محالاً عليه أن يعود على هدى الصيحة الغاضبة فيلتزم جادة الحق. بعلومه تلك وآلاته، وذلك بأن يبقى على ما ينفع الناس، ويمحو ما يؤذيهم، ذلك كله يمكن للغرب ما دام العلم بين يديه يصنع به ما استطاع أن يصنع، لكن البأس كل البأس يا سيدي في أن توجه مثل تلك الصيحة الغاضبة في بلد ما يزال عند ألف باء العلم والصناعة، لأنك إذا أشعت في نفوس أهله مثل ذلك الترف العقلي، وأعني به التشكك في حضارة العلم والصناعة – التي هي حضارة هذا العصر – فكأنك أشعت في صدورهم دعوة إلى الجمود، لا بل دعوة إلى العودة إلى الوراء، حيث لا علوم ولا صناعة ولا أجهزة ولا آلات، ولن يحدث لهم عندئذ إلا أن تزداد حاجتهم إلى الاعتماد على الغرب في كل ما ينتجه من علم، وما يصنعه من آلات.”
“لابدّ من احترام المسافة التي تحفظ لكل فرد مجاله الخاص وكينونته الخاصة كإنسان مستقل له الحق في أن يطوي ضلوعه على شيء”
“كان مع الحملة الفرنسية جماعة من العلماء فى تخصصات علمية مختلفة فكان مما صنعة أولئك العلماء أن أستدعوا كبار علماء الأزهر الشريف -جماعة بعد جماعة- ليطلعوهم على عجائب العلوم الجديدة ,ومن ذلك مثلا أن يوقفوهم صفا مشبكى الأيدى , ثم يمسون الواقف فى أول الصف بسلك مكهرب فتسرى رعدة الكهرباء فى جميعهم ,,فيعجب علماء الأزهر ويغضبوا من ذلك الصنيع , وأما العلماء الفرنسيين فيأخذهم الضحك.فقال لهم أحد الشيوخ ذات مرة هل فى علمكم الجديد ما يجعل إنسانا موجودا هنا وفى بلاد الغرب فى وقت واحد ؟؟فأجابو لا ليس فى علومنا ذلك لأنة مستحيل .فقال لهم لكن ذلك ممكن فى علومنا الروحية !!!”
“والديانات المختلفة مثلٌ آخر للنسقات الفكرية التى تنبنى على " مبادىء " كل منها يضع كتابه أمامه " مبدأ "يسير منه و يستنبط , و إنما تكون الأحكام الفقهية فى كل دين صواباً بالنسبة إلى نصّ كتابها .ولا بد لى هنا أن ألفت الأنظار إلى نقطة مهمة و خطيرة , هى أن المنظومات الفكرية المختلفة , وإن تكن كل منها مستقلة عن الأخرى فى صواب أحكامها أو خطأ تلك الأحكام , أعنى أن كلاً منها إذا استشهد على صواب حكم معين , فمرجعه هو مبدؤه , لا مبدأ المنظومة الأخرى , إلا أننا نستطيع المفاضلة بين هذه المنظومات الكثيرة المتجاورة , على أساس ما تؤديه كل منها للحياة الإنسانية من سعادة أو تسام أو غير ذلك , فالأمر هنا شبيه بأن ترى بيوتاً متجاورة , لكل منها أساسه الذى أُقيم عليه , ولكل منها أجزاؤه الداخلية التى بنيت على ذلك الأساس , فلا يكون بيتٌ منها حجةً على بيت آخر , فقد يهوى أحدهما لضعف أساسه , بينما يبقى الآخر بقوة أساسه , لكن استقلال هذه البيوت المتجاورة بعضها عن بعض , لا يمنع من المفاضلة بينها من ناحية ما تؤديه فى حياة ساكنيها .”
“أغرب الغرباء من صار غريباً فى وطنه , و أبعد البعداء من كان بعيداً من محل قربه .. لأن غاية المجهود أن يسلو عن الموجود , و يغمض عن المشهود , و يُقصَى عن المعهود .. يا هذا .. الغريب من إذا ذكر الحق هُجِرَ و إذا دعا إلى الحق زُجِرَ .. يا رحمتا للغريب ! طال سفره من غير قدوم , و طال بلاؤه من غير ذنب , و اشتد ضرره من غير تقصير , و عظم عناؤه من غير جدوى " .و لقد أطلنا الأخذ عن التوحيدى , ليتعزى الكاتب العربى المعاصر إذا هو أحس الغربة حين يذكر الحق فيُهجَر , أو يدعو إلى الحق فيُزجَر , و حين يعظم عناؤه بغير جدوى”