“إذا عن السؤال: "ماذا ينبغى على أن أفعل؟" ماعاد الله يجيب، أو غدت إجابته أفل فأقل نفاذاً للسمع اجتماعياً. غير أن السؤال كسؤال يبقى إلى اليوم مطروحاً...بوصفه السؤال الشخصي الأكثر حميمية ، الذي لايستطيع أحد (لا الله ولا الكاهن ولا الأمين العام ...) أن يجيب عنه بالنيابه،مايكسبه إذا ذاك المزيد والمزيد من الأهمية. سذج هم أولئك الذين يعتقدون أن الألحاد يلغي مسألة الأخلاق بل العكس هو الصحيح : ذلك أن حاجتنا إلى الأخلاق تزداد كلما قل تمسكنا بالدين-إذ تقع على عاتقنا الإجابة عن السؤال "ماذا ينبغى على أن أفعل ؟" عندما يكف الله عن الإجابه عنه .”
“ما وجه الصلة بين موت الآلهة وعودة الأخلاق؟تبدو لي الصلة كالآتي.لنقل بشئ من التبسيط والإجمال إنه منذ قرناً من الزمن، هي زمن الغرب المسيحي، كانت الإجابة عن السؤال "ماذا ينبغي لي أن أفعل؟" (وهو السؤال الأخلاقي) تصدر في الحقيقةعن الله-عبر وصاياه ورهبانه وعبر كنيسته-،بحيث إن السؤال لا يشكل هاجساً مادامت الإجابة بديهية إلى هذا الحد، ونابعة من حضارة هي، في المقام الأول دينية. لقد تلقى المرء مايشبهه الهدية المعلبة، منذ ولادته أو خلال السنوات الأولى من حياته، وكانت في جوهرها، هدية دينية وتشمل بالطبع على أخلاق ما . بحيث أن الأخلاق لم تكن آنذاك مشكلة بقدر ما كانت حلاً.”
“اذا كان الله غير موجود،تقول أحدي شخصيات دوستويفكي، فكل شيء مباح".أما أنا فأرى العكس تماماً،اذا كان الله موجوداً يستطيع المرء تجاوزا ،أن يبيح لنفسه كل شيء، أي أن يدع لعناية الله المشكلة (بما أنها وجدت،في الحقيقة،حلها)ويلبث منتظراً بدعة نهاية الأزمانعمل الخير؟ ماجدوى ذلك ، بماأن عمل الخير ممكن موجود سلفاً (في الله)؟ عمل الشر؟ أن تعصي؟ لما لا ؟ ماكان لشيء مما أسلفنا أن يتم،إذا كان الله موجوداً،من غير جرأة ،أما اذا كان غير موجود؟ فأين تكمن الجرأة في أن يكون المرء جباناً،أو ضعيفاً أو أنانياً أو لئيماً؟ إذا كان غير موجود ،لايعود ممكناً أهمال أي شيء أو انتظار أي شيئ : ويغدو من الملحّ أن نسأل أنفسنا عما نبيحه لأنفسنا ومالا نبيحهبعبارة أخرى ، الدين يشتمل على الأخلاق يجعلها ثانوية.فأذا كان الدين إلى أفول احتلت المسألة الأخلاقية الصدارة مجدداً”
“إذا ياصديقي العزيز ، الشعب لايفقه من الأمر شيئاً....بحيث تكون من الأجدى لنا ما أن نواجه بسؤال مهم أو معقد، لا أن نجرى استفتاء شعبياً أو دورة نقاش في البرلمان ( لأن النواب كما تعمون وأعلم ، ليسوا أكثر كفاية بكثير)أن نعين لجنة خبراء .ولكن ثمة مشكلة واحدة:هي أننا إذا اعتمدنا هذا المنطق إلى النهاية ،لايعود الشعب هو سيد نفسه، بل يكون الخبراء هم أسياد أنفسهم ، ولا نعود في ظل الديمقراطية بمعنى الكلمة،لقد أعطيت السلطة لمن يعرفون، أي اننا انتزعناها من الآخرين جميعاً،الذين يشكلون الأغلبية.فماالذي يبقى من الديمقوراطية؟ أخشى ألا يبقى سوى شبه ظاهري بها .بربرية تكنوقراطية:طغيان الخبراء”
“لقد سبق لآدم سميث ،أن أدلى منذ زمن بعيد بمقولة جوهرية بهذا الشأن"نحن لانتوقع أن نحظى بطعام عشائنا جراء بادرة سخية من قبل القصاب أو بائع الجعة أو الخباز،بل جراء حرصهم على مصالحهم.فنحن بذلك لانتوجه إلى ماهو إنساني فيهم،بل إلى أنانيتهم،ولا نخاطبهم بمالدينا من حاجات بل دائماً بماينظرهم من الغُنْم”
“موت الآلهه"التفسير الثالث الذي أود أن أقترحه لشرح عودة الأخلاق هذه ، يتعلق بما قد يسمية المؤرخ "الآجل البعيد". والحقيقة أن في ذهني مساراً امتد عبر بضعة قرون من الزمن.بداء بعصر النهضة ، وتسارع خلال القرن الثامن عشر نحو ماسمي بعصر الأنوار، ثم تواصل طوال القرنين التاسع عشر والعشرين.ونشهد اليوم خصوصاً في فرنسا، مرحلة اكتماله شبه الناجز. هذا المسار ،هو أساساً،ماكان شخصه نيتشه، في أواخر القرن التاسع عشر،بكلامه ذلك الحين على موت الآلهة."مات الله !ونحن الذين قتلناه". كما آنه المسار نفسه الذي يتناوله عالم الاجتماعيات ماكس فايبر بالتحليل، مطلع القرن العشرين،بكلامه -عبارة أخرى ذاع صيتها، استعادها مؤخراً مارسيل غوشه-على"زوال سحـــــر العالـــــــم”
“نحن نخلط بين الأخلاق والسياسة.الأخلاق شخصية ، وكل سياسة هي جمعية.الأخلاق، في المبدأ ،منزهة من الأغراض ، وما من سياسة منزهة عن الأغراض. الأخلاق جامعة أو تنزع لآن تكون كذلك، وكل سياسة هي فريدة أو خاصة.الأخلاق تعين الغايات، أما السياسة فتعنى بالوسائل .لذلك نحتاج إلى الأثنين معا، وإلى الفرق بينهما. لنخذ الملائكية الوعظية:فعندما يقتصر كلامنا على الأخلاق فيما يدور كلام الآخرين عن المصالح،ندخل في لعبة البرابرة!”