“الإنصاف يقضي علي بأن أوكد مكانة صحيح البخاري فهو بلا ريب أدق كتب السنة، ومن الإنصاف كذلك توكيد احتواء كتب السنة على آلاف الأحاديث المقبولة، بذل الأسلاف في تدوينها جهودا مضية، ولا تتم الإفادة منها إلا بتعاون الفقهاء، والمحدثين جميعا على ضبط معانيها ومغازيها.والمأساة التي نعاني منها، ونخشى بلاءها على الصحوة الإسلامية تجئ من قبل قوم يسمون أنفسهم «الأخوة أهل الحديث”
“إن الحكم الديني لا يؤخذ من حيث واحد مفصول عن غيره، وإنما يضم الحديث الى الحديث. ثم تقارن الأحاديث المجموعة بما دل عليه القرآن الكريم، فإن القرآن هو الإطار الذي تعمل الأحاديث في نطاقه لا تعدوه، ومن زعم أن السنة تقضي على الكتاب، أو تنسخ أحكامه فهو مغرور!.”
“عيب بعض الذين يشتغلون بالحديث قصورهم في تدبر القرآن وفقه أحكامه فلم الغرور مع هذا القصور؟ ولماذا يستكثرون على غيرهم من رجال الفكر الإسلامي الرحب أن يكتشفوا علة هنا أو شذوذا هناك!.إن التعاون في ضبط التراث النبوي مطلوب، ومتن الحديث قد يتناول عقائد وعبادات ومعاملات يشتغل بها علماء المعقول والمنقول جميعا وقد يتناول الحديث شئون الدعوة والحرب والسلام، فلماذا يحرم علماء هذه الآفاق المهمة من النظر في المتون المروية؟.. وما قيمة حديث صحيح السند عليل المتن؟؟.على أن هناك آلافا من الأحاديث الخالية من العلل والشذوذ تم تسجيلها في دواوين السنة، فإذا بقى نزر يسير يتعاون في ضبطه الفقهاء والمحدثون فذلك خير وأولى..”
“وإذا كان لبعض الناس ذاكرة جيدة، وليس لهم بصيرة نيّرة، فعليهم تسليم محفوظاتهم إلى الفقهاء لينزلوها في مكانها الصحيح.. وهذا هو السر في نعيي على نفر من علماء السنة أنهم أفنوا أعمارهم في دراسة الحديث، وبقوا سطحيين في فهم القرآن الكريم.”
“إنني أطيل النظر في كتب السنة، معتقد أن بها كنوزا ثمينة من تراث النبوة، واستهدى فطرتي في تجنب الضعيف وقبول الصحيح، وهي فطرة صقلتها التلاوة الدائمة لكتاب الله، والحب الصادق لهذا الوحي المبارك، والدراسة الحسنة لمناهج الفقهاء الأربعة الكبار ومن يليهم من أهل الذكر وقادة الفكر.!.ومن هنا ابتعدت عن أحاديث تركها أبو حنيفة ومالك وغيرهما، وإن رواها المشتغلون بجمع الأحاديث.لقد تركها الأئمة بتلطف وأدب”
“وقد كان الفقهاء على امتداد تاريخنا العلمي هم القادة الموثقون للأمة، الذين أسلمت لهم زمامها عن رضا وطمأنينة، وقنع أهل الحديث بتقديم ما يتناقلون من آثار كما تقدم مواد البناء للمهندس الذي يبني الدار، ويرفع الشرفات.والواقع أن كلا الفريقين يحتاج الى الآخر، فلا فقه بلا سنة ولا سنة بلا فقه، وعظمة الإسلام تتم بهذا التعاون.والمحنة تقع في اغترار أحدهما بما عنده، وتزداد مع الإصرار وضعف البصيرة..”
“على أن الأخطاء فى ثقافتنا التقليدية ليست حكرا على كتب التصوف ـ وان نالت هذه الكتب نصيبا جللا منها ـ فإن الأخطاء تطرقت إلى كتب التفسير والفقه والسيرة، واندس فى صحائفها ما يؤذى الله ورسوله، وما اجتهد الأئمة فى التحذير منه.وكشف القناع عن دخله وغشه.”