“إذا كانت أوروبا قد فصلت الدين عن المجتمع، فذلك لظروف تاريخية جعلت الكنيسة و على رأسها البابا هو الذى كان يسيطر على ملوك أوروبا و يتوجهم و يرسلهم بعيداً عن بلادهم فى الحروب الصليبية .. و لعل "العلمانية" كانت رد فعل للدولة "الدينية" هناك و تمشياً مع الثورة الفرنسية التى أطاحت بالنبلاء و رجال الدين معاً ..”
“العلمانية لم تنتشر فى أوروبا إلا كرد فعل لنفوذ الكنيسة و فرضها لرأيها على المفكرين و غيرهم، و على تنظيم الحياة طبقاً لآرائهم القديمة التى لا تصلح للزمان الجديد، و بذلك تم فصل الكنيسة عن الدولة .. و إنى أحذر رجال الدين عندنا من هذا المصير .. و يكونون هم السبب فى فتح باب "العلمانية" الأوربية على مصراعيها لدخول بلادنا ..فى الوقت الضائع - توفيق الحكيم”
“ و من المعروف أن رجال الكنيسة في القرون الوسطى كانوا سببًا من أسباب انحطاط العلوم و تأخرها في أوروبا , فهل كان الدين مسئولًا عن هذا ؟ هل في تعاليم المسيحية ما يؤيد رأي بطليموس في مركزية الأرض أو ما يخالف نظرية كوبرينيك و يوافق نظرية أرسطو ؟ أم أن العيب هو عيب رجال الكنيسة الذين اتخذوا من الدين وسيلة لفرض نفوذهم و اخضاع الناس لسلطانهم ”
“إذا كانت هناك قيود تمنع الإنسان من التحرك فى حياته نحو التقدم، فليس الدين أو الإسلام هو المسئول .. بل إن المسلم هو الذى وضع هذه القيود بسوء فهمه لجوهر دينه و سوء تفسيره لنصوصه بجهالته و كسله العقلى .. فنتناول الأحاديث النبوية كأنها أمر ملزم دون أن نبذل أى جهد فى فحصها لمعرفة ما إذا كانت من وحى الله أو من اجتهاد الرسول .. و هل هى مما يساعد على تقدمنا أو مما يقعدنا عن الحركة؟ .. فإذا قعدنا و تخلفنا قلنا هذا من الدين .. و الدين برئ. و الله لا يدفعنا إلى التهلكة و العجز عن استخدام قدراتنا التى خلقنا بها إلا بأسباب صدرت منا ...فى الوقت الضائع - توفيق الحكيم”
“… ظاهرة الاستغراب، التي يُرجى ألاّ تكون مجرَّد رد فعل لظاهرة الاستشراق، التي تكونت منذ أكثر من سبع مئة سنة (٧١٢هـ-١٣١٢م)، على أقل تقدير، و تعرَّضتْ لتقلباتٍ عدة، بحسب ما تعرَّضَ له المجتمع المسلم من تقلبات، بدءاً بالحروب الصليبية، ثم الاستعمار، ثم التنصير، ثم الآن، ما يُقال عن عودة الحروب الصليبية في أوروبا، بالتطهير العرقي و العقدي أوَّلاً، البوسنة و الهرسك و كوسوفا نموذجين، و الشرق العربي و الإسلامي بحجَّة مكافحة الإرهاب ثانيًا، مما يعني استمرار الاستشراق، مهما حاولَ أقطابه أن يلتفُّوا على المصطلح، و من ثمَّ يعني ذلك فهمَ الغرب و منطلقاته، في حملاته المتكرِّرة على الشرق، ليسَ على مستوى الحروب فحسب، و لكن على مستويات أخرى، ثقافية و فكرية و سياسية و اقتصادية.”
“الشريعة الإسلامية باقية .. و فيها و لاشك الصالح لكل زمان و مكان. و قد يكون فيها ما لايصلح لزمان معين و مكان محدد .. و فيها ما يجرى عليه قول النبى الكريم "أنتم أدرى بشئون دنياكم" .. و فيه ما لم يأخذ به عمر بن الخطاب فى عام معين هو عام المجاعة .. و نحو ذلك مما يوجب علينا دراسة كل هذا بعمق و أناة بعيداً عن السطحيات و الإشاعات و الشعارات .. و على رجال الدين فى كل هذا أثقل التبعات .. و لهم الحق فى أن يقفوا ضد "العلمانية" إذا كانت تقصد إيعادهم عن شئون الدنيا .. و دورهم فى الدنيا قائم بحكم الإسلام و لكن يجب أن يدرسوا و يوضحوا للناس ما ينبغى أن تقوم عليه الدنيا من عمل صالح و منتج و نافع و مرتفع ...”