“هل نريد قليلاً من الصبر ؟-لا ..فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنهيشتهي أن يلاقي اثنتين:الحقيقة و الأوجه الغائبة.”
“هل أنا كنت طفلاً ..أم أن الذي كان طفلاً سواي؟”
“أيتها النبية المقدسة..لا تسكتي..فقد سكت سنة فسنة..لكي أنال فضلة الأمانقيل لي |اخرس.."فخرست..و عميت..و ائتممت بالخصيان !ظللت في عبيد (عبس) أحرس القطعانأجتز صوفها..أرد نوقهاأنام في حظائر النسيانطعامي: الكسرة..و الماء..و بعض التمرات اليابسة.و ها أنا في ساعة الطعانساعة أن تخاذل الكماة..و الرماة..و الفرساندعيت للميدان !أنا الذي ما ذقت لحم الضأن..أنا الذي لا حول لي أو شأنأنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان،أدعى إلى الموت..و لم أدع إلى المجالسة !!تكلمي أيتها النبية المقدسةتكلمي..تكلمي..فها أنا على التراب سائل دميو هو ظمىء..يطلب المزيدا.أسائل الصمت الذي يخنقني:"ما للجمال مشيها وئيدا..؟!""أجندلا يحملن أم حديدا..؟!”
“لقد قتلت عبر سنوات العذاب كل أمل في الفرح ينمو بداخلي.. قتلت حتى الرغبات الصغيرة والضحك الطيب؛ لأنني كنت أدرك دائماً أنه غير مسموح لي بأن أعيش طفولتي، كما أنه من غير المسموح أن أعيش شبابي.. كنت أريد دائما أن يكون عقلي هو السيد الوحيد لا الحب ولا الجنس ولا الأماني الصغيرة.. لقد ظللت حتى أعوام قليلة أرفض أن آكل الحلوى، وأنها في نظري لا ترتبط بالرجولة، وظللت لا أقبل كلمة رقيقة من امرأة؛ لأنني أضطر عندئذ إلى الترقق معها وهذا يعني بلغة إحساس التودد لها، وهو يمثل الضعف الذي لا يُغتفر، وقد لا تعرفين أنني ظللت إلى عهد قريب أخجل من كوني شاعرا؛ لأن الشاعر يقترن في أذهان الناس بالرقة والنعومة، وفجأة ها أنت تطلبين مني دفعة واحدة أن أصير رقيقا وهادئا وناعما يعرف كيف ينمّق الكلمات”
“أسأل يا زرقاء ..عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !عن صرخة المرأة بين السَّبي .. والفرارْ ؟ كيف حملتُ العار ..ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !”
“حين رأيت أن كل ما أراه. لا ينقذُ القلبَ من الملل!”
“مصر لا تبدأ من مصر القريبةإنها تبدأ من أحجار (طِيبة) إنها تبدأ منذ انطبعت قدمُ الماءِ على الأرض الجديبة ثوبها الأخضر لا يبلى إذا خلعته... رفت الشمس ثقوبهإنها ليست عصوراً فهي الكل فيالواحد، في الذات الرحيبة أرضها لا تعرف الموت فماالموت إلا عودةٌ أخرى قريبةتعبر القطرة في النيل فمِنحولها الرقص وأعياد الخصوبةفإذا البحر طواها نفرتواسترد الماءُ في الوادي دُروبهوأعاد الماء للنيل هُروبَه واسترد الماء في مصر العذوبة فسقى النيل بهِ ـ ثانيةً ـظمأ البحر إذا ما مدَ كُوبَه هكذا شعبكِ يا مصر له دورة الماء ونجواه الرطيبة مات فيه الموت يوما فابتنى هَرَما للموت يستجلي غيوبه أبداً يبني ويأتي غيره ناشراً فيه أساه وحروبه فإذا راح ابتنى ثم ابتنى فانثنى الغازي إليه بالعقوبة!وكأن الذُلَ في الشعب ضريبة وابتسام الصبر قد صار ذنوبه وكأن الدمَ نِيلٌ آخرٌ تستقي منه الرمال المستطيبة كل أبنائكِ يا مصر مَضواشهداء الغدِ في نُبْلٍ وطيبة الذي لم يقضِ في الحرب قضى وهو يُعطي الفأس والغرسَ وجِيبهوالذي لم يقضِ في الفأس قضى حاملاً أحجار أسوان الرهيبة اسمعي في الليل أناتِ الأسى اسمعي حزن المواويل الكئيبةإنها أسماء من ماتوا ولم يبرحوا القلب فقد صاروا نُدوبه سيعودون فلا تبكي فما يرتضي المحبوب أن تبكي الحبيبةأتُرى تبكين من مات .. لكي تستعيدي راية الفكر السليبةوالذي مات لكي ينفث في كل قلبٍ ناشئٍ حرف العروبة ولكي يحتضن الطفل حقيبةولكي تقتات بالعلم الشبيبة ولكي يهوي حجاب الخوف عن روح ربات الحجال المستريبة ولكي يُرفع سيف العدل في وجه أبناء المماليك الغريبة والذي لولاه ما مرت لنا ـ في عبور النار للحرب ـ كتيبةأتُرى تبكين يا مصر؟ أنا لستُ أبكيه وإن كنتُ ربيبه شرف الأبناء أن يمضي أبٌبعد أن قدم للمجد نصيبه شرفٌ للأب أن يمضي فلا تعتري أبناءَه الروح الزغيبة إنما يبكي ضعاف الناس إن عجزوا أن يدركوا حجم المصيبة”