“اكتشفت ببؤس أننى -مثل كثيرين جدا- لم أعد أنتظر أى شئ جميل يحدث, لم يعد هناك ما يفرح أو يعد بالفرح. اكتشفت أن وجودى فى الحياة هو لمجرد الاستمرار فيها.. وأننى أعيش فقط بجسارة من صار يحتقر الانتحار !”
“الذي أدريه الآن يقيناً، أن من يصعد إلى هذا المرتقى يوماً، لا يعود كما كان من قبل الارتقاء، ويظل يهفو أبداً إلى هذا الارتقاء، لهذا لم أعد أرى في جنون متسلقي قمم الجبال جنوناً، بل هي رغبة مطلقة في الانعتاق من شقاء العالم الأرضي وملامسة مطلق النقاء الذي لم يمسسه بشر أو لم يلوِّثْه بعد.”
“فالسلام لم يعد مجرد مسالمة بين البشر والبشر، بل هو في الأساس مسالمة واجبة بين البشر والأرض. لأن الحرب على بيئة الأرض هي مأساة سرمدية، بينما مآسي أشد الحروب فتكا في تاريخ البشرية يمكن للزمن أن يتجاوزها.”
“من الذى قال ذلك عن معنى السعادة ؟ .. إنه هو ذلك المتوحد العائش فى قبو متواضع . المنقطع عن كل طنطنة الدنيا و بريقها ليتواصل مع جوهر روحه و يطلع علينا بالأسفار . صاحب أجل أسفار زماننا و أضخمها . السفر الذى يعلمنا حب النهر و حب الطمى و حب البحر و تفهم الرمال . إنه هو .. أجاب عن سؤال يستكنه معنى السعادة فى مرة نادرة من المرات التى أدلى فيها بحديث . قال :- إن السعادة هى أن أشرب كوب شاى .. مع صديق .. فى لحظة رضا و أنا كنت أحتسى كوب شاى صاف . تطفو على سطحه وريقات نعناع أخضر . مع جميلة كالحلم . فى راحة إيوان ظليل . فهل كنت أطمع فى المزيد ؟ لم اكن أطمع فى المزيد . فقط وددت لو يتوقف بنا الزمان على نحو ما . و لأن ذلك مستحيل فقد سألتها " أنلتقى هنا غداً ؟ " . و أجابتنى باسمة " لم لا ؟ " . فردَّدت روحى صدى الإجابة :- لم لا ؟”
“فهل يتحقق مستحيل ما؟ وهل يمكن أن ينشق زمانى ومكانى عن ضياء لأمل حقيقى فى أفق ما؟ أو... هل أسافر إلى فرح ما, أو يأتبنى أى فرح؟ أتساءل فأجدنى عبر التساؤل أجلو خواطر بعيدة طُمرت تحت إحباط مديد. وأتخيل المعجزات. أتخيل وأتمادى فى التخيل فأجد الهاجس يتلبثنى رويداً رويداً ويستحيل إلى شبه يقين فى أن شيئاً ما جميلاً يمكن أن يح...دث. ويملؤنى هذا الشعور بمسرة وجلة فأنتظر!”
“قد يكون حلماً فظيعاً له قوة حضور الواقع, أو وقعاً غريباً كالحلم, هذا ما لم أحسمه, و لعلي لن أحسمه أبداً, لهذا أحاول تحسس حكايتي هذه من جديد, لعلي أتبين فيها حدوداً فاصله”
“ليقول شيئا مهما أستنتجه بالمقارنة، وهو، أن هناك صنفين من الناس، أحدهما مدفوع بحب الحق والخير والجمال، فهو مُلاقيها حيثما تكون فى دين أو دنيا، والآخر مدفوع بنازع الباطل والشر والقبح، وهو واجدها حيثما طلبها، لأنه فى الأخير يعبر عن جنوح نفسه، لا واقعية الدينا، ولا سمو الآخرة.فقد مررت فى ترحالى بمسلمين كثر خارج عالمنا العربى، فى أفريقيا وآسيا وأوربا، واكتشفت وتيقنت أن الإسلام انتشر فى تلك البقاع القاصية بالأسوة الحسنة، عندما اكتشف سكان هذه البلدان أمانة ونظافة وصدق وود وتسامح التجار المسلمين الذين وصلوا بسعيهم الشريف إلى هناك. أما ما يمكن أن أقوله الآن فى زعم البعض أن الإسلام ينتشر بسبب دعاة التشدد والعنف والعدوانية، فهذه فرية حقيقتها أن التعصب لا يجتذب إلا المتعصبين، وهى مسألة نفسية لا إيمانية لا أحب أن أتوقف عندها فى هذا الموقع من الاحتفاء بكتاب نبيل لمخلوق جميل.”