“مع الأسف نجد أكثر التأليف فى الإسلام هو عن الصفات النبوية التى تكاد نخرجه عن البشرية مما يكاد يقربه إلى الوثنية .. أو على الأقل نسخة ثانوية من المسيح الذى وصفه الله تعالى فى كتابه الكريم بأنه "كلمة منه" و جعله يعيش حياة قصيرة لا يمارس الحياة البشرية فى اتساعها و لا يتزوج و لا يكون والداً و لا ابناً لبشر .. و هو مختلف فى هذا عن محمد الرسول -صلوات الله عليه- الذى أراده الله أن يكون بشراً مثل بقية البشر .. يعيش مثلهم و يموت مثلهم .. و هذا هو الشطر "العلمانى" من الإسلام ...فى الوقت الضائع - توفيق الحكيم”
“إذا كانت هناك قيود تمنع الإنسان من التحرك فى حياته نحو التقدم، فليس الدين أو الإسلام هو المسئول .. بل إن المسلم هو الذى وضع هذه القيود بسوء فهمه لجوهر دينه و سوء تفسيره لنصوصه بجهالته و كسله العقلى .. فنتناول الأحاديث النبوية كأنها أمر ملزم دون أن نبذل أى جهد فى فحصها لمعرفة ما إذا كانت من وحى الله أو من اجتهاد الرسول .. و هل هى مما يساعد على تقدمنا أو مما يقعدنا عن الحركة؟ .. فإذا قعدنا و تخلفنا قلنا هذا من الدين .. و الدين برئ. و الله لا يدفعنا إلى التهلكة و العجز عن استخدام قدراتنا التى خلقنا بها إلا بأسباب صدرت منا ...فى الوقت الضائع - توفيق الحكيم”
“ما الذى روّعه ؟ أهو منظر العظام قى ذاتها، أم فكرة الموت الممثلة فيها، أم المصير الآدمى و قد رآه أمامه رأى العين ؟و لماذا لم يعد منظر الجثث و العظام يؤثر فى مثلى و فى مثل الطبيب ، و حتى فى مثل اللحاد أو الحراس هذا التأثير ؟ يخيل إلىَّ أن الجثث و العظام قد فقدت لدينا ما فيها من رموز. فهى لا تعدو فى نظرنا قطع من الأخشاب و عيدان الحطب و قوالب الطين و الآجر. إنها أشياء تتداولها أيدينا فى عملنا اليومى. لقد انفصل عنها ذلك الرمز الذى هو كل قوتها؟..ما مصير البشرية و ما قيمتها لو ذهب عنها الرمز ... "الرمز" هو فى ذاته كائن لا وجود له. هو لا شئ و هو مع ذلك كل شئ فى حياتنا الآدمية. هذا اللا شئ الذى نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به و نمتاز على غيرنا من المخلوقات.”
“قال أحد العلماء:المسجد هو المعبد فى الإسلام ، و هو البرلمان ، و هو المدرسة، و هو النادى، و هو المحكمة، و هو ملتقى الأمة فى أحوالها كلها..لذلك ما كان المسلمون يطئون أرضاً جديدة، إلا و يؤسسون المساجد أسوة بالرسول الكريم- صلى الله عليه و سلم- الذى اهتم بإنشاء مسجده حين قدم المدينة المنورة، فشأن المسجد شأن الإسلام نفسه متكاملاً فى مختلف جوانب الدين و السياسة و الاجتماع.”
“ولن يكون التدين - من حيث هو حركة النفس و المجتمع- جميلاً إلا إذا جَمُلَ باطنه و ظاهره على السواء، إذ لا انفصام ولا قطيعة فى الإسلام بين شكل و مضمون، بل هما معاً يتكاملان، و إنما الجمالية الدينية فى الحقيقة هى: (الإيمان) الذى يسكن نوره القلب، و يغمره كما يغمر الماء العذب الكأس البلورية، حتى إذا وصل إلى درجة الامتلاء فاض على الجوراح بالنور، فتجمل الأفعال و التصرفات التى هى فعل (الإسلام)، ثم تترقى هذه فى مراتب التجمل، حتى إذا وصلت درجة من الحُسن - بحيث صار معها القلب شفافاً، يُشاهد منازل الشوق و المحبة فى سيره إلى الله- كان ذلك هو (الإحسان) .و الإحسان هو عنوان الجمال فى الدين، و هو الذى عرفه المصطفى بقوله -صلى الله عليه و آله و سلم- "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”
“العلمانية لم تنتشر فى أوروبا إلا كرد فعل لنفوذ الكنيسة و فرضها لرأيها على المفكرين و غيرهم، و على تنظيم الحياة طبقاً لآرائهم القديمة التى لا تصلح للزمان الجديد، و بذلك تم فصل الكنيسة عن الدولة .. و إنى أحذر رجال الدين عندنا من هذا المصير .. و يكونون هم السبب فى فتح باب "العلمانية" الأوربية على مصراعيها لدخول بلادنا ..فى الوقت الضائع - توفيق الحكيم”