“إنحطاط وتشرذم الحركة القومية العربية اليوم يقودنا إلى عودة النفوذ الغربي، وتحكُّمه بشكل مباشر بمصير المنطقة العربية ودولها”
“ان احد عوامل تلمس الفرص الجديدة في المنطقة العربية هو انبعاث الحركات الاجتماعية ومواكبتها انتعاش المجتمع المدني وثقافته ومنظماته”
“بإنهيار النظام القومي الذي شكل المحاولة الأخيرة للحم عناصر المجموعة العربية وإعطائها صيغة سياسية وأهدافًا اجتماعية وتاريخية مقبولة للمارسة والعمل، عدنا إلى عصر الأزمة المفتوحة، وعندما نقول ازمة مفتوحة فنحن نقصد، إنهيار التوازنات الإجتماعية والإقليمية التي خلقها وضمنها النظام القومي، وانفتاح الصرع من جديد بين مختلف مكوّنات الجماعة العربية : الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والطائفية، على مصراعه، من اجل اعادة توزيع عناصر الثروة والمواقع السياسية والاجتماعية، وتكوين الفكرة أو الإيديولوجية التي تكرس هذا التوزيع، وهو يعني إذن انحلال روابط التضامن الداخلي والإقليمي، وانفلات القوى دون ضابط وتنافرها، وذبول القيم والمبادئ القومية واستخدامها السوقي لغايات الصراع الفئوي، والجنوح نحو سياسات الإنكفاء على الذات وخدمة المصالح الأنانية، أي زوال العام وصعود الخاص إلى مقدمة المسرح الإجتماعي.”
“يكاد النقد أن يشمل اليوم جميع عقائديات ونظريات الحقبة الماضية، ولا يستثني أحدًا منها، بل غالبًا ما يتجاوزها لينفي الواقع العملي الذي كانت تعبّر عنه كما يحصل لفكرة القومية العربية ولغيرها من النظريات السلفية أو الإشتراكية. وإذا عبَّر هذا الجموح عن شيء، فإنما يعبّر عن عمق مشاعر الشك والحيرة التي بدأت تلفّ الوعي العربي حتى لتبدو جميع الحقائق واهية في مرآته ولا سند لها. ومن المعروف أن موت نظام اجتماعي ما أو تفسخع ينعكس مباشرة على الحقائق والبديهيات التي ترتبط بها وتبرره او تضفي عليه المشروعية فيفقدها عقلانيتها وصلاحيتها. ولا ريب أن لهذا الشك العميق مخاطره مثل ماله ايجابياته أيضًا. فهو يمكن أن يكون شكًا مدمرًا كما يمكن أن يكون شكًا خلاقًا وذلك بحسب مايفضي إليه من تعطيل للعقل وللمارسة أو ما يؤدي إليه من حث على التفكير والتأمل ودفع إلى إبداع أطر معرفية ومبادئ جديدة للنظر وللمبادرة. وليس هناك حتى الآن أي مؤشر عميق إلى أننا قد أجتزنا مرحلة الخطر في هذا المجال. فالأدبيات العربية الحديثة توشك أن تكون شكوى لا نهاية لها لما وصلت إليه الحياة الثقافية من إنحدار، واحتجاجًا لا يهدأ على ما وصلت إليه الحياة السياسية من تدهور، وندبًا متواصلًا على ما بلغته الحياة الاقتصادية، الزرعية والصناعية، من خراب.”
“وقد تم ولا شك ابعاد الدين عن السلطة لدى تكوين الدول العربية التي تبنت بشكل عام والى حد كبير المبادئ والقوانين الوضعية الا فيما يتعلق بالحقوق الشخصية. لكن بقدر ما عجزت الفكرة القومية عن انشاء ذاتية ووعي جديدين دهريين جماعيين جاء هذا الابعاد بنتيجة معاكسة هي تعميق دور الدين في السياسة ولان عدم المساواة زاد ولم يتراجع, ولان الظلم والاستبداد تعاظم ولم يندثر, ولان الثقافة الحديثة رفعت الى السلطة فئة قليلة وجديدة وابعدت الى الهامش كل الجماعات الاخرى, اخذت السياسة الوضعية ذاتها تستنفر الدين وتعتمد عليه. لم يعد الدين هو السياسة التي تطلب العدل والاعتدال والتسامح والاخوة, ولكن السياسة التي اخذت تتغذى بالنزاع والصراع هي التي بدأت تستخدم الدين وتؤسس للآلية الطائفية.”
“ومن مظاهر هذه الأزمة أن الكلام الدائم عن التقدم والتحرر والتمدن والتنمية قد اختفى ليحل محله وصف لا ينتهي للتخلف وآلياته، وللسقوط والإخفق وتبعاته. فقط اصبح من البديهي اليوم الحديث في الاوساط المثقفة والعامة عن اجهاض مشروع النهضة العربية التي حلم بها رجال القرن التاسع عشر وعملوا من أجلها. وارتبط هذا الحديث بميل عارم إلى المراجعة والنقد الذاتي، والى اعادة النظر بالمفاهيم والنظم والعقائديات التي سادت في الحقبة الماضية. فتقويم الاطار النظري العام وفحص المسائل بدقة واعادة تحليل الواقع وفهمه فهمًا جديدًا هي من الشروط الاولية لتصحيح المسار، وجعل الممارسة الاجتماعية ممكنة بعد تردد والنشاط والمبادرة الانسانية مقبولة بعد توقف وتوجس.”
“فمع الزمن وتطور البنيات الحديثة للجماعات الاسلامية برزت اكثر فاكثر الخصائص القومية في الاقاليم الاسلامية واصبحت عاملا اساسيا مكونا للشخصية وللوعي المحلي. كما زاد تأثير الدهرية نفوذا لدى الطبقات العليا والوسطى مع تناقص فاعلية الاعتقادات الدينية وتأثيرها على مجرى الحياة اليومية والانتاج. ونتجت عن ذلك هوة بين الانتماء الديني والانتماء الجنسي. وهناك الكثير من المسلمين الذين لا يتعرفون على انفسهم في الثقافة الاسلامية اليوم الا بشكل سطحي.وهذا نتيجة توسع انتشار الثقافة الغربية الحديثة وبسبب السياسة الثقافية التي بدأت تمارسها الدولة الاسلامية والعربية منذ القرن التاسع عشر.”