“إن انتزاع حق التشريع من البشر ورده إلى الله وحده سبحانه لم يبق لواحد من البشر أو لجماعة أو لطبقة أى مجال للتحكم فى الآخرين ولا أى منفذ يعلو به فرد على فرد أو فرد على جماعة أو طبقة على طبقة.إن الحاكمية كلها لله سبحانه وليس لغيره أن يشرع إلا استمدادامن شريعته والله رب الجميع فإذن لن يكون فى تشريعه محاباة لفرد أو جماعة أو طبقة ولن يحس أحد أنه حين ينفذالقانون خاضع لمشيئة أحد إنما هو خاضع لله رب الجميع ومن ثم تتساوى الرؤوس وترتفع الهامات جميعا لأنها لا تعنو جميعا إلا لله وحده.”
“أما النظام الإسلامي فلم تضعه هيئة تشريعية على الأرض. وإنما هو من وحي السماء، ولا مصلحة للسماء في تغليب طبقة على طبقة ولا فرد على فرد؛ لأن هؤلاء وأولئك جميعًا عباد الله، وهم سواء من حيث منشؤهم، ومن حيث مآلهم الأخير؛ من قدرة الله خلقوا، وإلى الله يعودون في النهاية فيحاسبهم جميعًا بميزان واحد، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.والشريعة الإسلامية نظام يطبق على الجميع، لصالح الجميع، ولا يجامل أحدًا على حساب أحد: الحاكم والمحكوم، الغني والفقير، الشريف والعبد، كلهم أمام القانون سواء.”
“إن الذين يريدون لنا أن نذوب في حركة قومية أو في كتلة دولية أو في اتجاه عالمي - على فرض أن هناك اتجاها عالميا - إنما يرتكبون جريمتهم في حق البشرية كلها قبل أن يرتكبوها في حق الإسلام أو الوطن الإسلامي. إن مهمتنا أن نتميز وأن نحمل الشعلة للضالين في شعاب الأرض وفي متاهات الصحراء. إن مهمتنا أن ننقذ البشرية من الحمأة الآسنة التي تتمرغ فيها اليوم، لا أن نذوب معها في تلك الحمأة الآسنة. والله معنا، والبشرية كلها ستعرف يوما أن نبوءة الله حق: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس.”
“يتحدث سيد قطب عن تعريف المجتمع الجاهلي وخصائصه ويورد الأمثلة الواقعية على ذلك إلى أن يقول : " وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها "مسلمة"! وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها. فهي - وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها، وشرائعها وقيمها، وموازينها، وعاداتها وتقاليدها...وكل مقومات حياتها تقريبا!.”
“فإذا تحرر الوجدان من شعور العبادة والخضوع لعبد من عباد الله، وامتلأ بالشعور بأنه على اتصال كامل بالله، لم يتأثر بشعور الخوف على الحياة أو الخوف على الرزق، أو الخوف على المكانة”
“إن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات. فإذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة أو آجرة، أو آنية أو أسطوانة، أو هيكل أو جهاز. كائناً في دقته ما يكون.. و لكن الله المبدع يجعل من تلك الذرات حياة. حياة نابضة خافقة. تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز.. سر الحياة.. ذلك السر الذي لا يستطيعه بشر، و لا يعرف سره بشر.. و هكذا القرآن.. حروف و كلمات يصوغ منها البشر كلاماً و أوزاناً، و يجعل منها الله قرآناً و فرقاناً، و الفرق بين صنع البشر و صنع الله من هذه الحروف و الكلمات، هو الفرق ما بين الجسد الخامد و الروح النابض.. هو الفرق ما بين صورة الحياة و حقيقة الحياة!”
“إنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلاء عاطلة من عوامل الإغراء ، لا قربى من حاكم ، ولا اعتزاز بسلطان ، ولا هتاف بلذة ، ولا دغدغة لغريزة ، وإنما هو الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد . . ليقبل عليها من يقبل ، وهو على يقين من نفسه أنه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس ، ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات ، ولينصرف عنها من يبتغي المطامع والمنافع ، ومن يشتهي الزينة والأبهة ، ومن يطلب المال والمتاع ، ومن يقيم لاعتبارات الناس وزنا حين تخف في ميزان الله . إن المؤمن لا يستمد قيمه وتصوراته وموازينه من الناس حتى يأسى على تقدير الناس ، إنما يستمدها من رب الناس وهو حسبه وكافيه . .إنه لا يستمدها من شهوات الخلق حتى يتأرجح مع شهوات الخلق ، وإنما يستمدها من ميزان الحق الثابت الذي لا يتأرجح ولا يميل . . إنه لا يتلقاها من هذا العالم الفاني المحدود ، وإنما تنبثق في ضميره من ينابيع الوجود . . فأنى يجد في نفسه وهنا أو يجد في قلبه حزنا . وهو موصول برب الناس وميزان الحق وينابيع الوجود ؟ إنه على الحق . . فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وليكن للضلال سلطانه ، وليكن له هيله وهيلمانه ، ولتكن معه جموعه وجماهيره . . إن هذا لا يغير من الحق شيئا ، إنه على الحق وليس بعد الحق إلا الضلال ، ولن يختار مؤمن الضلال على الحق - وهو مؤمن - ولن يعدل بالحق الضلال كائنة ما كانت الملابسات والأحوال . . { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب * ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد }.”