“نظرتها نبوءة بتحقق الوعود القديمة. تكوينها يبعث إلى الوعي ترتيب الزهور، وحضور ألوان ما بعد المطر، يغلب عليها الأخضر. وعندما يتحول النبات إلى ضوء يصبح سرا مستعصيا.(..) تابعت هفهفات ثيابها عند دورانها، عند تمايلها المقتصد، عند تطلعها إلى حيث لايمكن التعيين أو الإدراك. إذ تحرك أصابعها إنما تدل على حواف الكون. وترسل أبلغ الإشارات إلى مكامن في الروح يعسر توصيفها. (...)ومن أسف أنني جبلت على ردود الفعلالبطيئة المتمهلة، عندما تجد طريقها إلى النطق شفاهة أو كتابة يكون ذلك في الفوْت.(...)تساؤلاتي نطقتها ولكن على غير مسمعها:هل أنت المقامات والأنغام ذاتها؟هل تتصل أوتار الدنيا كلها بجسدك؟هل تنبع الألحان منك أم من الآلات؟كافة ما أردت طرحه أفضيت به لكن في أوان مغاير.”
“عند توقفي هنا أو هناك، أسعى دائماً إلى المعمار. إنه آخر ما يبقى من الإنسان، يتحلل المأكل، والملبس، وتندثر الملامح، تمضي إلى العدم. ويبقى النحت، والأسس، والعلامات الدالة، الآثار الخفية، والسمات الشاردة من هنا إلى هناك.”
“السفر الحقيقي يقصد منبعاً أو مصدراً، وما المدن الكبرى القصية إلا استثناءات حتى لو انقضى العمر كله في نواحيها. لابد من تعيين وتحديد، المرء تربطه دائماً صلة بالبقعة التي فتح فيها عينيه على الدنيا، مسقط الرأس ليس موضعاً، إنه مدخل المرء إلى الكون ومخرجه أيضاً، إنه بدء التناقض المؤدي إلى اكتمال. لا يكون رحيل إلا بعد تمام.”
“تطلعت إلى أعلى وعندي توق لما أجهل وحنين إلى ما لم أعشه، ورغبة في لقاء أحبة غابتْ ملامحهم عني، واندثرت من حافظتي. سرى عندي رجْعٌ بعيد.أنغام ترددتْ عبر الفضاءات يومًا...حواراتٌ خافتةٌ عند دنوّ قافلةخروجُ فتية إلى سفر طويلإطراقة امرأة تفتقد الإلفهذا بيان”
“ألا يشبه ذلك الإنسان؟ لا يرى نفسه إلا عند تمام انفصاله، عن وقته، عن موضع ارتبط به، عن قوم أحبهم وأحبوه، كل اكتمال من تضاد أو مفارقة، لننظر إلى صلته بصوته، لا يصغي إليه وقت النطق، يستوعبه بعد الفوت وإذا يجيء من الخارج، عندما يستمع عبر الآلة يبدو غريباً، مبتوتاً، كأنه صادر عن آخر.”
“في تلك الليالي أيقنت بعد جلاء العناصر، أنني جئت إلى هذا الوجود وحيداً، و أنني سأسعى فرداً منقطعاً مهما تعددت الصحبة، و اتصلت الحميمية، و كل ما تؤججه الرفقة إنما لواذٌ وقتي، مرهونٌ بمده، له إبتداء و له إنتهاء شأن كافة المواقيت.”
“في لحظة معينة يتحول وجود الإنسان إلى صوت، يلخص كل العناصر.”