“وفي محاولة تفسير هذه الظاهرة وجدت ان النسبية المعرفية والاخلاقية التي كانت المفروض فيها انها ستحرر اللانسان وتفسح له المجال لتأكيد فرديته, ادت الي العكس . فالنسبية تنزع القداسة عن العالم ( الانسان والطبيعة ) وتجعل كل الامور متساوية , ومن هنا فالظلم مثل العدل والعدل مثل الظلم , والثورة ضد الظلم لا تختلف كثيرا عن الاستسلام له . فيصبح من العسير للغاية - بل من المستحيل - علي الانسان الفرد ان يتخذ اي قرارات بشأن اي شيء , ويصبح من السهل اتخاذ القرارات بالنيابة عنه والهيمنة عليه سياسيا . فالنسبية قوضت الانسان / الفرد من الداخل وجعلت منه شخصية هشه غير قادرة علي اتخاذ اي قرار وأن كانت - في الوقت ذاته - قادرة علي تسويغ اي شيء وكل شيء .”
“والقول بان الانسان لا يجب ان يخضع لاي شيء سوى نفسه لا ينكر كرامة المثل. بل العكس, انه اقوى تاكيد للمثل. وعلى اية حال يضطرنا هذا الى تحليل نقدي للمثال. بصفة عامة الانسان معرض اليوم الى افتراض ان المثال هو اي هدف لا تضمن تحقيقه اي كسب مادي وهو شيء يكون الشخص مستعدا من اجله للتضحية بكل الغايات الانانية. وهذا مفهوم سيكولوجي محض للمثال ولهذا فهو مفهوم نسبي. من وجهة النظر الذاتية هذه يكون للفاشستي الذي ينساق برغبة اخضاع نفسه لقوة اعلى وفي الوقت نفسه يتسير بالقوة على الآخرين, مثال شأنه في هذا شأن الانسان الذي يناضل من اجل المساواة والحرية الانسانيتين. وعلى هذا الاساس لا يمكن اطلاقا حل مشكلة المثل.”
“*ان للجيوش وظيفة كبيرة في حياة الانسان، تلك هي الوظيفة التي تؤديها لحياته الحشرات والطفيليات، وهي ان تمتص دمائه وارزقه وتجلب له الآلام والخراب والتشويه بدون ان تعالج أمرا من أموره او تعطيه اي تفسير لوجودها.”
“دعوى استغناء الانسان عن العقيدة دعوى باطله , يكذبها الواقع ويبطلها تاريخ البشريه الطويل , إذ واقع البشريه شاهد على ان الانسان حيثما كان وفي اي ظرف وجد وعلى اختلاف احواله وتباين ظروفه لا يخلو من عقيدة ابدا , سواءا كانت هذة العقيدة حقا أو باطلا”
“لقد زاد فقدان النفس من ضرورة التطابق, فقد ترتب على هذا شك عميق بذاتية الانسان. اذا كنت لا شيء, بل ما اعتقد انه مفروض فيّ - فمن "انا" ؟لقد رأينا كيف ان الشك في نفس الانسان بدأ بتحطيم النظام في العصور الوسطى الذي كان للفرد فيه مكان لا يتزعزع بنظام محدد. لقد كانت ذاتية الفرد مشكلة كبرى في الفلسفة الحديثة منذ ديكارت. واليوم نعتقد اننا ما نحن عليه. ومع هذا لا يزال الشك قائماً حول انفسنا او لقد نما بالاحرى. لقد عبر بيراندللو في مسرحياته عن شعور الانسان الحديث هذا. انه يبدأ بالسؤال: من انا ؟ اي برهان لديّ عن ذاتيتي سوى استمرار نفسي الفيزيائية ؟ وليست اجابته مثل اجابة ديكارت - تأكيد النفس الفردية- بل انكارها: ليس لي ذاتيه, ليست هناك نفس سوى التي هي انعكاس لما يتوقع الأخرون مني ان اكون عليه: انني كما ترغب انت.”
“ولئن كانت الأولوية عند بعض علماء السنة في الماضي هي كشف فضائح الباطنية والرد علي الشيعة والقدرية , لأن المبتدعة كانت لهم صولة وجولة يومذاك , تكاد تطبق علي مشرق العالم الاسلامي ومغربه ... فإن الاولوية اليوم هي كشف فضائح المستبدين , وتجريدهم من اي شرعية اخلاقية او تاريخية . اضافة الي ان البدع السياسية لا تقل خطورة عن بدع الاعتقاد , كما تشهد به عبرة اربعة عشر قرنا من تاريخ الاسلام .”