“ان عالمي الاسلام و الغرب لم يكونا يوما أقرب أحدهما من الآخر،كما هو اليوم،و هذا القرب هو صراع ظاهر و خفي،ذلك أن أرواح الكثير من المسلمين و المسلمات لتتعفن رويدا رويدا،تحت تأثير العوامل الثقافية الغربية،انهم يتركون أنفسهم يبتعدون عن اعتقادهم السابق،بأن تحسين مقاييس المعيشة يجب ألا يكون سوى واسطة لتحسين أحاسيس الانسان الروحية،و انهم يسقطون في"وثنية التقدم" نفسها،التي تردى فيها العالم الغربي،بعد أن صغروا الدين الى مجرد صلصلة رخيمة في مكان ما من مؤخرة الأحداث،ولذلك تراهم يصغرون مقاما و لا يكبرون،ذلك أن كل تقليد ثقافي،بخلاف الخلق و الابداع لابد أن يحقر الأمة و يقلل من شأنها”
“ فعلاً – فكرت بيني و بين نفسي – سخر الانسان الغربي نفسه لعبادة “الدجال”. لقد فقد من زمن طويل كل براءة و فطرة و كل تكامل داخلي مع الطبيعة. أصبحت الحياة لغزاً أمامه. أصبح متشككاً ، و بذلك عزل نفسه عن مجتمعه من البشر و أصبح يعيش في عزلة داخلية. و حتى لا يفنى في تلك الوحدة ، فإنه يسعى إلى قهر الحياة و التغلب عليها بوسائل خارجه عن فطرته. لم تعد حقيقة أنه حي تهبه أماناً داخلياً : لا بد أن ياصرع على الدوام من أجل مزيد من الحياة كأنها غاية في ذاتها. و لأنه فقد كل تكيف روحي لما فوق المادة ، قرر أن يحيا بلا بعد روحي ، و دفعه ذلك إلى إختراع وسائل آلية ميكانيكية تكون حليفة له و نما عنده الميل المحموم اليائس إلى التقنية و التمكن من قوانينها و وسائلها. راح يخترع كل يوم آلات جديدة، و يضفي على كل منها بعضاً من روحه و يدعها تقاتل بدلاً منه ليستمر وجوده زمناً أطول. إنهم يفعلون ذلك > إلا أن ذلك يخلق لهم على الدوام الاحتياجات الجديدة، و مخاطر جديدة، و مخاوف أكثر تدفعه إلى إخترع حلفاء جدد مصنوعة ، في عطش لا يرتوي أبداً. لقد فقد جانبه الروحي في العجلات الدائرة للآلات المنتجة، و فقدت الآلات الهدف الرئيسي منها- ان تكون حامية و مخصبة للحياو الانسانية- و تحولت إلى آلهة بذاها، آلهة مفترسة من الصلب. و يبدو أن مبشرى و دعاة ذلك الإله لا يرتوي لا يعون أن سرعة تطور التقنية الحديثة ليست فقط نتيجة للنمو العقلي ، بل نتيجة لليأس الروحي ، و أن تلك المنجزات العظمى التى يعتقد أنه يقهر بها الطبيعة ليست في حقيقتها إلا ميلاً دفاعياً : فخلف واجهاتها البراقة يكمن الخوف من المجهول. ”
“و لو أن المسلمين احتفظوا برباطة جأشهم و ارتضوا الرقي وسيلة لاغاية في ذاتها،اذن لما استطاعوا أن يحتفظوا بحريتهم فحسب،بل ربما استطاعوا أيضا أن يعطوا انسان الغرب سر طلاوة الحياة الضائع”
“و هناك أمر آخر كنت من دعاته و الناس جميعا في عمى عنه و بعد عن تعلقه و لكنه هو الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية، و ما أصابهم الوهن و الضعف و الذل إلا بخلو مجتمعهم منه ، و ذلك هو : التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب ، و ما للشعب من حق العدالة على الحكومة ... أن الحاكم و إن وجبت طاعته فهو من البشر الذين يخطئون و تغلبهم شهواتهم ، و أنه لا يرده عن خطأه و لا يوقف طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول و الفعل. جهرنا بهذا القول و الاستبداد في عنفوانه ، و الظلم قابض على صولجانه ، و يد الظالم من حديد ، و الناس كلهم عبيد له أي عبيد”
“و عندي أن الذين يرون فى "أبي بكر و عمر" مستبدين عادلين إنما يجانبون الصواب. أولاً: لان ابا بكر و عمر لم يكونا مستبدين لحظة من نهار. ثانياً: لانه ليس فى طول الدنيا و لا عرضها شئ اسمه "مستبد عادل". و لو التقت كل اضداد الحياة و متناقضاتها فسيظل الاستبداد و العدل ضدين لا يجتمعان، و نقيضين لا يلتقيان .. و إن أحدهما ليختفي فور ظهور الاخر ، لان ابسط مظاهر العدل و مطالبة أن يأخذ كل ذى حق حقة ، و اذا كان من حق الناس - و هذا مقرر بداهة - أن يشاركوا في اختيار حياتهم و تقرير مصائرهم ؛ فإن ذلك يقتضي فى اللحظة نفسها ، وللسبب نفسة - اختفاء الاستبداد. و لقد كان أبو بكر و عمر على بصيره من هذا ..”
“أخرج من نفسك ، أخرج من همَّك ، اخرج من علمك ، اخرج من عملك ، اخرج من اسمك ، اخرج من كل ما بدا أى من مغريات العالم المادى كله ..و ماذا بعد ذلك !يكون مطلوبك هو الله .. و مقصودك هو الله .. و همَّك هو الله .. و ذِكرَك هو الله .. و نطقك هو الله .. و فكرك هو الله ..و تلك أمور لها علامات و لا تكفى فيها الخلوة و التسابيح .. فعلامة خروجك عن نفسك أن تبذلها للآخرين إنفاقاً و عملاً صالحاً و بِرَّاً و مَوَدةً و جهاداً و قتالاً و استشهاداً فى سبيل الله ..”
“لننظر الآن إلى ادعاء رجال الدين أن لديهم ف كتبهم الدينية نظاماً يصلح لكل مكان و كل زمان دون أن يحتاج إلى تغيير أو إضافة، نظاماً قد شمل كل كبيرة و صغيرة لا فى مسائل العقيدة وحدها بل فى شؤون الدنيا و حاجات الحياة أيضاً. و هو ادعاء لا يفتؤون ينشرونه و يكررونه، و يستشهدون له بآيات أو أجزاء من آيات يحرفونها عن مواضعها، و يحمّلونها فوق ما يحتمل معناها. كاستشهادهم بقوله تعالى "ما فرطنا فى الكتاب من شئ"، و قوله "تبياناً لكل شئ"، و قوله "و تفصيل كل شئ" و قوله "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى".ينسون أن الحديث فى الآية الأولى ليس عن القرآن بل عن اللوح المحفوظ، و يرفضون أن يسلموا بأن المقصود فى الآيات الأخرى أصول العقيدة التى بها يتميز الإسلام عن ثائر الأديان فيصرون على أن المراد فيها أيضاً كل ما تحتاجه حياة البشر من قوانين و معاملات ،،،”