“ومن حديثه معها أدرك أنه من السهل أن يتظاهر المرء بالولاء للحزب وهو لا يدرك معنى الولاء. وبطريقة ما، فرضت نظرة الحزب نفسها على أناس لا يقدرون حتى فهمها، فجعلتهم يقبلون انتهاكاته الفاضحة للحقيقة لأنهم لم يستطيعوا أبدا أن يفهموا ذلك, كما أنهم لم يكونوا يبدون القدر الكافي من الاهتمام بما يحدث حتى يمكنهم فهم التزوير لوقائع الحياة. لقد كانو ببساطة يبتلعون كل شيء ولم يكن ما يبتلعونه ليصيبهم بأي أذى لأنه لا يترك أي رواسب، بل يمر كما تمر حبة القمح في جوف طائر دون أن يهضمها.”
“صرخ وينستون بصوت عال: "ولكن كيف تستطيعون منع الناس من تذكر الأشياء؟ إنه عمل لا إرادي حتى إن أحدا لا يمكنه أن يسيطر على ذاكرته, فكيف تستطيعون أنتم السيطرة على الذاكرة؟ إنكم لم تستطيعوا السيطرة على ذاكرتي"وبدت علامات التهجم على وجه أوبراين وقال:"بل على العكس , إنك أنت الذي عجزت عن السيطرة عليها, وهذا هو ما جاء بك إلى هنا, إنك هنا لأنك فشلت في الانصياع وفي فرض الانضباط الذاتي على نفسك, إنك لم تتقن عملية الخضوع التي هي ثمن التعقل, وإنما فضلت أن تكون مجنونا ووضعت نفسك ضمن أقلية مؤلفة من فرد واحد هو أنت.إن الواقع لا يراه إلا العقل المنضبط يا وينستون, إنك تؤمن بأن طبيعة الواقع طبيعة بديهية بذاتها, وعندما تضلل ذاتك وتوهمها أنك ترى شيئا ما, فإنك تفترض أن كل الآخرين يرون الشيء ذاته, ولكني أقول لك يا وينستون إن الواقع ليس له وجود خارجي, إن الواقع موجود في العقل البشري ولا يوجد في مكان سواه.إنه ليس موجودا في العقل الفردي الذي هو عرضة للوقوع في الأخطاء, كما أنه يفنى بفناء صاحبه, إنه لا يوجد إلا في عقل الحزب الذي يتسم بأنه جمعي وخالد.وما يعتبره الحزب حقيقة فهو الحقيقة التي لا مراء فيها, ومن المستحيل أن ترى الحقيقة إلا بالنظر من خلال عيني الحزب.تلك هي الحقيقة التي يجب أن تعلمها من جديد يا وينستون, وهذا يحتاج منك أن تدمر ذاتك وهو أمر يتطلب قوة الإرادة, يجب أن تذل نفسك وتقهرها حتى يمكنك أن تكون عاقلاً.”
“أرخى ونستون ذراعيه وملأ رئتيه بالهواء ببطء , بينما كان عقله ينزلق في متاهات التفكير الازدواجي .. أن تعرف وأن لا تعرف , أن تعي الحقيقة الكاملة, ومع ذلك لا تفتأ تقص الأكاذيب محكمة البناء , أن تؤمن برأيين في آن وأنت تعرف أنهما لا يجتمعان ومع ذلك تصدق بهما.أن تجهض المنطق بالمنطق, أن ترفض الإلتزام بالأخلاق فيما أنت واحد من الداعيين إليها. أن تعتقد أن الديمقراطية ضرب من المستحيل, وأن الحزب وصيّ عليها !أن تنسى كل ما يتعين عليك نسيانه , ثم تستحضره في الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه, ثم تنساه مرة ثانية فورا, وفوق كل ذلك أن تطبق الأسلوب نفسه على الحالتين.ذلك هو الدهاء الكامل , أن تفقد الوعي عن عمد ووعي , ثم تصبح ثانية غير واعٍ بعملية التنويم الذاتي التي مارستها على نفسك, بل حتى إن فهم عبارة التفكير الأزدواجي تستدعي منك اللجوء للتفكير الأزدواجي.”
“أمّا جوليا فقد بدا أنّها لا تستطيع أن تأتي على ذكر الحزب، وعلى الأخص قيادة الحزب، دون أن تستخدم ذلك اللون من الكلمات التي تُرى مرسومةً بالطباشير على جدران الأزقّة الضيقة الفقيرة.”
“أن تعرف وأن لا تعرف ، أن تعي الحقيقة كاملة، ومع ذلك لا تفتأ تقص الأكاذيب المحكمة البناء، أن تؤمن برأيين في آن وأنت تعرف أنهما لا يجتمعان ومع ذلك تصدق بهما. أن تجهض المنطق بالمنطق، أن ترفض الالتزام بالأخلاق فيما أنت واحد من الداعين إليها، أن تعتقد أن الديمقراطية ضرب من المستحيل ، وأن الحزب وصي عليها، أن تنسى كل ما يتعين عليك نسيانه ثم تستحضره في الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه ثم تنساه مرة ثانية فوراً ذلك هو الدهاء الكامل، أن تفقد الوعي عن عمد ووعي ثم تصبح ثانية غير واع بعملية التنويم الذاتي التي مارستها على نفسك.”
“ولقد نفت نظره أن السماء التي تظلل الجميع واحدة سواء كان ذلك في أوراسيا أو إيستاسيا أو حتى هنا في أوقيانيا، كما أن الناس الذين تظللهم السماء يتشابهون إلى حد كبير أينما كانوا، ففي جميع أنحاء العالم يعيش مئات ألوف من ملايين الأشخاص على هذا المنوال، حيث يجهل بعضهم وجود بعض، وتفصل بينهم جدران من الكراهية والأكاذيب ومع ذلك فإنهم متماثلين. أناس لم يتعلموا أبدًا كيف يفكرون ولكنهم يختزنون في قلوبهم وبطونهم وعضلاتهم القدرة التي يمكن في يوم من الأيام أن تقلب نظام العالم.”
“وكانت تؤمن بأن المرء إذا أحب شخصاً فيجب أن يخلص له الحب, حتى إذا لم يبقَ لديه شيء يمنحه إياه, بقي لديه ذلك الحب.”