“لقد كان إحتلال الأحساء والقطيف في العهود السعودية جميعهاذا هدف إقتصادي، وفي الدولة السعودية الاولى كان ما يجبى من الأحساء والقطيف من زكوات يفوق جميع مناطق المملكة العربية التي خضعت لحكم الوهابيين. أشار إلى ذلك إبن بشر في معرض تقديراته للزكوات المجبية، وكذلك مؤلف كتاب لمع الشهاب الذين قال: إن الزكاة المجيبة من مناطق الشيعة "الاحساء والقطيف" بلغت ستمائة ألف ريال، في حين لم تزد زكوات بادية نجد عن 400 ألف ريال، والحجاز 200 ألف ريال، و رأس الخيمة وعمان 270 ألف ريال.. وهناك محاصين الأملاك في الاحساء ونجد الحاضرة 300 ألف ريال. وغير المصادرات والزكوات، وضع الحكام السعوديون يومها نظاماً يقضي بموجبه أن يدفع المواطنون الشيعة تحت مسمى "الرقيبة، أو الروسية، أو الجهادية" وتعطى معنى واحداً هو "الجزية" بإعتبار الشيعة غير مسلمين. ولكن الأمراء السعوديين كانوا حريصين على عدم تسميتها بالجزية، وإنما ضريبة الخددمة العسكرية.. لم يكن الوهابيون يردون من الشيعة كفرة بحيث لا يدفعون الزكاة، وقد كان هذا النظام معمولاً به حتى نهاية العشرينات الميلادية من القرن الحالي.”
“شهدت الأحساء والقطيف في وقت مبكر المدارس الحكومية التي أسسها العثمانيون سنة ١٩٠٢م، وسبقت بذلك كل مناطق الخليج دون إستثناء، في حين لم يدخل التعليم النظامي في العهد السعودي إلا بعد ٢٥ عاماً من سقوط الأحساء، وبعد ٣٨ عاماً من إحتلال القطيف!!.”
“حاول الوهابيون الاوائل إلغاء الخصوصية المذهبية لسكان مناطق شرق الجزيرة العربية، ومنذ البداية لم يكن الوهابيون مقتنعين بأنه يمكن تغيير الخارطة المذهبية، لان الشيعة كانوا الاصعب دوماً، وعلى مر التاريخ، وثانياً لان الشيعة كانوا أشد المقاومين للإحتلال الوهابي-السعودي، وكما رأينا خلال استعراض الاحداث التي سبقت سقوط مناطق شرق الجزيرة العربية تحت قبضة الوهابيين. لهذا لم تكن للحكام الجدد واعوانهم القناعة ولا الاستعداد لتغيير آراء الناس بالاقتناع والارضاء والنقاش، وقد كان هذا دأبهم مع غير الشيعة أيضاً الذين عادةً ما يسارعون الى الرضوخ سياسياً ومذهبياً للمنتصر، ولكن لم يحدث هذا لشيعة شرق الجزيرة العربية وإن كانوا قد خضعوا الحين للمنتصر سياسياً فحسب. ”
“على صعيد ممارسة الشعائر المذهبية الشيعية.. ولا نقصد هنا أن لدى الشيعة شعائر خاصة بهم، ولكن ما نقصده بالتحديد ما تعارف الشيعة على إحياءه من ذكريات دينية إسلامية يمارسها عموم المسلمين، في الحجاز وفي خارج المملكة في الوقت الحالي. كالإحتفال بذكرى مولد الرسول، وذكرى هجرته، ووفاته، وكذلك اولاده ووفايات الأئمة الاثني عشر، وقد خصصوا للإمام الحسين سبط الرسول مناسبة عاشوراء، وهي ذكرى استشهاده التي اصبحت عنواناً لمظلومية الشيعة ودفاعهم عن العقيدة الاسلامية في قبال حكومات الجور والاستبداد.. وأسسوا امكنة سموها "حسينيات" يقيمون فيها هذه المناسبات الدينية. على هذا الصعيد، مُنع الشيعة من ممارسة هذه الشعائر، بإعتبارها كفراً وهرطقة، وبدعةً لا محل لها من الدين ولا أساس.. فكان أن منع المواطنون من إحياء هذه المناسبات التس كانت على مر السنين عنواناً للمذهب الشيعي.. وقد هدم الوهابيون المساجد والحسينيات التي اسموها "كنائس" لهذه الاسباب، ولكن المواطنين في حقبة العهد السعودي الاول إستطاعوا -رغم الحظر- أن يمارسوا شعائرهم بسرية تامة وفي المنازل، تماماً مثلما يفعل الحجازيون اليوم في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، ومجالس ذكر فضائل الرسول عليه افضل الصلاة والسلام. ومع كل هذا فشل الوهابيون في تأسيس جذور لهم بين الشيعة، وواجهوا صعوبة في نشر مذهبهم في شرقي الجزيرة العربية لسبب هام؛ هو ان معظم سكان مدنها ولا سيما القطيف كانوا من الشيعة. وقد كانت هذه نقطة ضعف بالنسبة للسيادة والتسلط الوهابي في الاحساء، وقد سببت لهم متاعب كثيرة. وكان الشيعة المنتشرون في ساحل الخليج وبعض مدنه -خاصة القطيف- بيئة من بيئات المعارضة. ”
“جرى أيضاً إحراقٌ للمكتبات الشيعية، وآلاف المخطوطات، بإعتبارها كتب ضلال وكفر وزندقة.. وللحق لم تكن كتب شيعة شرق الجزيرة العربية وحدها التي تعرضت لعقاب المنتصر، وقد رأينا هذا في الحجاز قد تكرر أكثر من مرة، وهناك كتب بعينها سلط الوهابيون غضبهم ضدها.. غير أن إهانة الكتب الشيعية وحرق تراث الشيعة الفكري والادبي الذي كان في قمة العطاء، قد جاء بعشوائية وتخبط وعدم تمييز بين ما يتعارض مع رؤى المذهب المنتصر وما يوافقه. وقد كان لذلك الفعل أثر كبير في ضياع أهم تراث الشيعة في المنطقة، وهو أمر عانا منه الشيعة حتى الوقت الحالي، يزيد في ذلك الامر سوءاً أن الحكومة السعودية وبأوامر من رجال المذهب الوهابي صادرت لعديد من مكتبات التراث الشيعي الباقية في السنوات العشر الماضية، ولا يعلم حتى الان ما فعلت بها، وهي تحوي كنوزاً حقيقيةً في شتى حقول المعرفة. ”
“كانت واحتا الاحساء والقطيف، أو ما عُرف بسنجق "نجد"، تشبهان الفتاة المدللة للأب العثماني!.. وإذا كان الحكم التركي المعروف بسوءه وطغيانه في ديار العراق والشام واليمن، يبدو واضحاً لكل الباحثين، فإن الاحساء لم يصبها من ذلك إلا النزر القليل التافه.”