“قال تعالى"اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"صدق الله العظيم.سورة الزمر آية 39تفسير ابن كثير:يقول تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم: { إنا أنزلنا عليك الكتاب} يعني القرآن { للناس بالحق} أي لجميع الخلق من الإنس والجن، لتنذرهم به، { فمن اهتدى فلنفسه} أي فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه { ومن ضل فإنما يضل عليها} أي إنما يرجع وبال ذلك على نفسه، { وما أنت عليهم بوكيل} أي بموكل أن يهتدوا، { إنما أنت نذير} { إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} ، ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام، كما قال تبارك وتعالى: { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} الآية، وقال: { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى، ولهذا قال تبارك وتعالى: { اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} ، فيه دلالة على أنها تجتمع في الملأ الأعلى، كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" "أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً" وقال بعض السلف: يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء اللّه أن تتعارف { فيمسك التي قضى عليها الموت} التي قد ماتت، ويرسل الأًخرى إلى أجل مسمى، قال السدي: إلى بقية أجلها، وقال ابن عباس: يمسك أنفس الأموات، ويرسل أنفس الأحياء، ولا يغلط { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}”
“عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النور وهي الدواة ثم قال هل أكتب قال وما أكتب قال اكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ثم خلق العقل وقال وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت.”
“فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما روي عن النبي -صلى الله عليه و سلم- أنه قال:"من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار" -رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس و أخرجه الترمذي و النسائي-و لقوله -عليه الصلاة و السلام- "من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ" -رواه أبو داود و الترمذي و النسائي-أي لأنه قد تكلّف ما لا علم له به، و سلك غير ما أمر به، لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، و لهذا تحرّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال "أيُّ سماء تظلني، و أي أرض تقلّني، إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".”
“جواز قول الإنسان: الله ورسوله اعلم، ولا يلزمه أن يقول: الله ثم رسوله اعلم، لان علم الشريعة الذي يصل إلى النبي _ عليه الصلاة والسلام_ من علم الله، فعلم الرسول من علم الله_ سبحانه وتعالى_ فصح إن يقال: الله ورسوله اعلم، كما قال الله تعالى (ولوأَنَّهم رضوا ما آَتاهم اللَّهورسولُه)(التوبة: من الآية 59 )، ولم يقل: ثم رسوله، لان الإيتاء هنا إيتاء شرعي، وإيتاء النبي صلي الله عليه وسلم الشرعي من إيتاء الله. فالمسائل الشرعية يجوز إن تقول: الله ورسوله، بدون(ثم) أما المسائل الكونية، كالمشيئة وما أشبهها، فلا تقال: الله ورسوله، بل: الله ثم رسوله، ولهذا لما قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. قال: (( اجعلني لله ندا، بل ماشاء الله وحده))”
“المصدر: كتاب شرح رياض الصالحين لابن عثيمين عن أبي يعلي شداد بن اوس_ رضي الله عنه_ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمني علي الله))([ 104 ].) رواه الترمذي وقال صحيح حسن. قال الترمذي وغيره من العلماء: معني: (( دان نفسه)) أي: حاسبها. الشرح قوله: ((الكيس)) معناه الإنسان الحازم الذي يغتنم الفرص ويتخذ لنفسه الحيطة حتى لا تفوت عليه الأيام والليالي فيضيع. وقوله : (( من دان نفسه)) أي: من حاسبها ونظر ما فعل من المأمورات وماذاترك من المهينات: هل قام بما أمر به، وهل ترك ما نهي عنه، فإذا رأي من نفسه تفريطا فيالواجب استدركه إذا أمكن استدراكه، وقام به أو بدله، وإذا راء من نفسه انتهاكا لمحرم اقلع عنهوندم وتاب واستغفر. وقوله: (( عمل لما بعد الموت)) يعني عمل للآخرة، لان كل ما بعد الموت فانه من الآخرة، وهذا هو الحق والحزم، إن الإنسان يعمل لما بعد الموت، لأنه في هذه الدنيا مارا بها مرورا، والمال هو ما بعد الموت، فاذا فرط ومضت عليه الأيام وأضاعها في غير ما ينفعه في الآخرة فليس بكيس، الكيس هو الذي يعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا، فيتبع نفسه هواها في التفريط في الأوامر، ويتبع نفسه هواها في فعل النواهي، ثم يتمني علي الله الأماني فيقول: الله غفور رحيم، وسوف أتوب إلى الله فيالمستقبل، وسوف اصلح من حالي إذا كبرت، وما أشبه من الأماني الكاذبة التي يمليها الشيطانعليه، فربما يدركها وربما لا يدركها. ففي هذا الحديث: الحث علي انتهاز الفرص، وعلي إن لا يضيع الإنسان من وقته فرصة إلا فيما يرضي الله_ عز وجل_وان يدع الكسل والتهاون والتمني،فان التمني لا يفيد شيئا، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي،ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال)). فعلينا أيها الاخوة إن ننتهز الفرصة في كل ما يقرب إلى الله من فعل الاوامر و اجتناب النواهي، حتى إذا قدمنا علي الله كنا علي اكمل ما يكون من حال. نسأل الله إن يعيننا وإياكم علي ذكره وشكره وحسن عبادته.”
“في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : { استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية ، على الصدقة ، فلما قدم ، قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله ، فيقول : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، فهلا جلس في بيت أبيه ، أو بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئا ، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ، اللهم هل بلغت ؟ اللهم هل بلغت ، ؟ ثلاثا”
“وقد روى أبو داود في السنن {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: أمن العصبية أن ينصر الرجل قومه في الحق؟ قال: لا. قال: ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه في الباطل} وقال: {خيركم الدافع عن قومه ما لم يأثم} . وقال: {مثل الذي ينصر قومه بالباطل كبعير تردى في بئر فهو يجر بذنبه} . وقال: {من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا} . وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة: فهو من عزاء الجاهلية؛ بل {لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين وقال الأنصاري: يا للأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟} . وغضب لذلك غضبا شديدا.”