“وما إن أركب حتى يفتح السائق ميكروفونات الراديو أو التسجيل على آخرها لقارئ من هؤلاء الذين يرسلون القرآن بأصوات متصحرة وبطريقة «زنَّانة» أحادية النبرة لم أحبها أبدا لتلاوة كتابنا الأقدس العزيز البليغ، وتشعرنى بالفجيعة للتغييب المريب لأصوات شيوخ المقارئ المصرية الرائعين: عبدالباسط والمنشاوى والشعشاعى والحصرى، وغيرهم.”
“إن عوام الناس عندما يجرمون قد يفلتون بجرائمهم في الدنيا ليحاسبوا عنها في الآخرة. أما قادة الشعوب عندما يجرمون - ولنتذكر مصائر نيرون وهتلر وموسوليني وسوموزا وغيرهم - فإنهم - وحساب الآخرة يترصدهم - لا يفلتون بجرائمهم في الدنيا أبدا سواء وهم أحياء أو بعد موتهم. وأقل وأمرّ صنوف العقاب هي اللعنة.. والمسخرة!”
“تكتشف أنك لا تصلح أبدا لأن تكون قاتلا ,بينما انت مرشح بجدارة لأن تكون قتيلا ,قتيلا بكل ملابسات الأوتار الإنسانية التي مازالت ترتعش في قلبك .فأنت لن تبادر أبدا بإراقة دم حتى من يتأهب لقتلك وما هواجسك عن أن تكون قاتلا إلا أوهام يائسة يأس الكائنات الأليفة الخرساء التي تعض عندما يجتاحها ألم ساحق تعجز عن رده او حتى مجرد التعبير عنه ,تعض ربما لكنها لا تفترس أبدا ”
“لقد قال أحد الأمريكيين عن الحرب الفيتنامية: "لقد كسبنا كل المعارك لكننا لم ننتصر". نعم، وكيف كان ينتصر اليانكي والمارينز المدججون بالقاذفات الثقيلة والكاشف الأحمر القاتل للبشر والشجر والقنابل الموجهة بالليزر التي كان أول استخدام لها عام 1972 لتحطيم جسر "هام رونج" أو "فك التنين" الذي عبرنا عليه نهر "ما" جنوبي "هانوي" عندما ذهبنا لزيارة العاصمة الإمبراطورية القديمة. كيف ينتصر هؤلاء المتحركون بالمسطرة على هؤلاء المتحركين بالأسطورة؟ مواجهة محسومة لصالح من يعتقد أن روحه ستخرج لتنتقل إلى أخ آخر: إنسان أو حيوان أو طير، وما الموت إلا ولادة جديدة. بينما الآخر يعتقد ببؤس أنه ميت بموته.”
“ولون آخر داكن يتكون من: حمرة الدم، وسواد شظايا البازلت الذي يقطعه العبيد بدانات المدافع، وبُنِّيِّة صدأ القيود حول الأعناق وفي الأقدام.. وعتمة بطون بيوت العبيد وأجواف السفن التي تعبر بحر الظلمات، وسواد قلوب المجرمين الذين لم يكفوا عن تجارة العبيد حتى الآن، وإن بأشكال أخرى، حداثية، وما بعد حداثية.”
“كثير من هؤلاء الناس الذين نراهم يمضون من حولنا في نهر الحياة ، دهستهم الحياة من قبل مرة أو مرات . لكنهم انتفضوا ليواصلوا المسير . فالحياة طيبة برغم كل شيء ، وبرغم أنها في مثل تلك الحالات تغدو مثقلة بذكرى اللحظات الأليمة .. تغدو مفعمة بالشجن.. والشجن حزن جليل. والجلال أعلى مراتب الفتنة..”
“أظن أن إكسير حياتي كلها كان هذا المزيج السحري الشفاف الذي تلخصه الدهشة، في المدرسة الابتدائية كان أحد مدرسينا الرائعين يسميني «المندهش»، لأنني كنت شاردا دائما، وبعيون مفتوحة أطل على ما يحدث خارج الفصل، عبر النافذة التي كنت أحارب للجلوس إلى جوارها، في الصفوف الخلفية. كنت أقطف دهشتي من سحابة عابرة تتشكل في صورة سفينة، سفينة تسبح في السماء، أو عصفور يتقافز بدوافع سرية من غصن إلى غصن على شجرة في الفناء، أو قطة تطارد فراشة على السور.كان ذلك يشكل لي مآزق متواصلة، أقلها أن كثيرين ظلوا يعتقدون إنني لا أسمع، لأنهم يمعنون في ندائي ولا أجيب، وكانوا لايدركون أنني تائه في عالم مواز أبحث عن أكسير الدهشة.”