“وماذا يبقى من كل تلك الأشياء العظيمة المقدسة التي لها في حياتنا كل الخطر لو نزعنا عنها ذلك (الرمز). أيبقى منها أمام أبصارنا اللاهية غير المكترثة غير جسم مادي حجر أو عظم لا يساوي شيئاً ولا يعني شيئاً. ما مصير البشرية وما قيمتها لو ذهب عنها (الرمز). (الرمز) هو ذاته كائن لا وجود له. هو لا شيء. وهو مع ذلك كل شيء في حياتنا الآدمية. هذا (اللاشيء) الذي نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به ونمتاز على غيرنا من المخلوقات. هنا كل الفرق بين الحيوانات العليا والحيوانات الدنيا.”
“ما الذى روّعه ؟ أهو منظر العظام قى ذاتها، أم فكرة الموت الممثلة فيها، أم المصير الآدمى و قد رآه أمامه رأى العين ؟و لماذا لم يعد منظر الجثث و العظام يؤثر فى مثلى و فى مثل الطبيب ، و حتى فى مثل اللحاد أو الحراس هذا التأثير ؟ يخيل إلىَّ أن الجثث و العظام قد فقدت لدينا ما فيها من رموز. فهى لا تعدو فى نظرنا قطع من الأخشاب و عيدان الحطب و قوالب الطين و الآجر. إنها أشياء تتداولها أيدينا فى عملنا اليومى. لقد انفصل عنها ذلك الرمز الذى هو كل قوتها؟..ما مصير البشرية و ما قيمتها لو ذهب عنها الرمز ... "الرمز" هو فى ذاته كائن لا وجود له. هو لا شئ و هو مع ذلك كل شئ فى حياتنا الآدمية. هذا اللا شئ الذى نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به و نمتاز على غيرنا من المخلوقات.”
“الفارق بين الأدب الحقيقي حين يتعرض لموقف جنسي وبين الكتابة الرخيصة التي تصور المواقف الجنسية بقصد الإثارة والرواج هو نية الكاتب وفلسفته، وهذا لا يمكن الحكم عليه إلا بشعور القاريء وما خرج به من القصة أو العمل الفني، فإذا خرج من مطالعة عمل فني باحساس المتعة الجسدية فقط، وكان هذا هو كل ما ترسب في نفسك منه فأنت أمام عمل الغرض منه الاثارة الجنسية ، لأن هذا هو ما حصلته منه فعلا، ولكن عندما تبقى في نفسك مباديء أخرى تترسب من الموقف الجنسي، بمعنى أنك عندما تطالع عملاً أدبياً موضوعه الجنس ولكنه يؤدي بك إلى التفكير في شيء اجتماعي أو روحي أو فكري فإنك في هذه الحالة لا تكون أمام عمل القصد منه الإثارة الجنسية لا أكثر.”
“لا تظن أن هذه الآلاف من السنين، التي هي ماضي "مصر" قد انطوت كالحلم ولم تترك أثراً في هؤلاء الأحفاد ... أين إذن قانون الوراثة الذي يصدق حتي علي الجماد؟... ولئن كانت الأرض والجبال إن هي إلا وراثة طبقة عن طبقة؛ فلماذا لا يكون ذلك في الشعوب القديمة التي لم تتحرك من أرضها، ولم يتغير شىء من جوها أو طبيعتها !... نعم ... أوروبا سبقت مصر اليوم، ولكن بماذا؟... بذلك العلم المكتسب فقط، الذي كانت تعتبره الشعوب القديمة عرضاً لا جوهراً ودلالة سطحية علي كنز دفين، لا أنه هو في ذاته كل شىء !...إن كل ما فعلناه -نحن الأوربيين الحديثي النشأة- أن سرقنا من تلك الشعوب القديمة هذا الرمز السطحي، دون الكنز الدفين؛ لذلك جىء بأوروبي وافتح قلبه تجده خالياً خاوياً ! الأوروبي إنما يعيش بما يلقن ويعلم في صغره وحياته؛ لأنه ليس له تراث ولا ماض يسعفه بغير أن يعلم !... احرم الأوروبي من المدرسة يصبح أجهل من الجهل !.. قوة أوروبا الوحيدة هي في العقل !... تلك الآلة المحدودة التي يجب أن نملأها نحن بإرادتنا .. أما قوة مصر ففي القلب الذي لا قاع له... ولهذا كان المصريون القدماء لا يملكون في لغتهم القديمة لفظة يميزون بها بين العقل والقلب ... العقل والقلب عندهم كان يعبر عنهما بكلمة واحدة هي :القلب !...”
“هناك آلاف يكتبون القصص والشعر ويؤلفون..أي إنسان عادي باستطاعته أن يروي تجربة شخصية مرت به أو حادثة رآها أو تصورها بطريقة تجذب الانتباه وتخضع لمقاييس الفن، ولكن، لماذا لا يصبح كل هؤلاء أدباء كبارا، لماذا نجد الكبار في كل بلد أو جيل آحاد أو حتى معدودين .. السبب أن هناك فارقا كبيرا بين كاتب القصة أو المسرح الناجح وبين الفنان الكبير الذي يغير بإنتاجه معتقدات الناس ويترك العالم على غير ما جاءه، السبب في رأيي هو خيط الفكر أو الفلسفة الذي لابد من وجوده ..... فالفكر هو روح الفن”
“والدي الذي أورثني حب الأدب هو نفسه الذي يصدني عن الأدب .. والدتي التي أورثتني الإرادة تقف دون رغباتي الفنية .. حريتي الباقية لي إذن هي فرصتي الوحيدة و سلاحي الوحيد في مقاومة كل تلك العقبات .. و حريتي هي تفكيري .. أنا سجين في الموروث حر في المكتسب .. و ما شيدته بنفسي من فكر و ثقافة فهو ملكي.و هو ما أختلف فيه عن أهلي كل الإختلاف.”
“إن هذا الشعب الذي نحسبه جاهلا ليعلم أشياء كثيرة، ولكنه يعلمها بقلبه لا بعقله. إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم. هذا شعب قديم، جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة، من تجاريب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدري...نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجاريب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته. وهذا يُفسر لنا تلك اللحظات من التاريخ التي نرى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت، وتأتي بأعمال عجاب في طرفة عين. كيف تستطيع ذلك إن لم تكن هي تجاريب الماضي الراسبة قد صارت في نفسها مصير الغريزة، تدفعها إلى الصواب وتسعفها في الأوقات الحرجة وهي لا تدري. لا تظن أن هذه الآلاف من السنين، التي هي ماضي مصر، قد انطوت كالحلم ولم تترك أثرا في هؤلاء الأحفاد...نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة، تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجاريب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته. هذا ما يفسر لنا -نحن الأوربيين- تلك اللحظات من التاريخ، التي نري فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت !... وتأتي بعمل عجاب في طرفة عين !...كيف تستطيع ذلك إن لم تكن هي تجاريب الماضي الراسبة، قد صارت في نفسها مصير الغريزة، تدفعها إلي الصواب، وتسعفها في الأوقات الحرجة وهي لا تدري !...”