“أن جيل الصحابة لم يكن غير مجتمع بشري فيه الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات بإذن الله، وليست غلبة الخير على أهل ذلك الجيل مسوغاْ كافياْ للتعميم والإطلاق، وإضفاء صفات القدسية على كل فرد فيه، مما يناقض حقائق الشرع قبل حقائق التاريخ. وإذا كان لأهل الحديث مبررهم في قبول رواية كل الصحابة دون استثناء، فإن تحويل عدالة الرواية في السلوك بشمل كل الصحابة خلط في الاصطلاح، وتنكر للحقيقة الساطعة لا يليق بالمسلم الذي يؤثر الحق على الخلق مهما سموا”
“إن الأمّة لن تخرج من أزمتها التاريخيّة إلا إذا أدركت كيف دخلت إليها. فليس من خروج من هذه الأزمة الدستوريّة التاريخيّة دون دراسة الخلافات السياسيّة التي تفجّرت بين الصحابة في القرن الأوّل الهجري، وتأمُّلها بعقل متجرّد يمنح قُدسيّة المباديء رُجحاناً على مكانة الأشخاص، ويواجه العقد النظريّة السائدة في هذا الموضوع بفقه وثّاب غير هيّاب، مع التزام بصحّة النقل، والتثبُّت في الرواية.”
“ومهما يعترض معترض أو يجادل مجادل بأن الكتابة في موضوع الخلافات السياسية بين الصحابة نكء لجراح الماضي السحيق، وجدل نظري في غير طائل، وفتح لباب التطاول على الأكابر .. فإن الأمة لن تخرج من أزمتها التاريخية إلا إذا أدركت كيف دخلت إليها.لا أحد يطرب بالحديث عن الاقتتال الذي نشب بين الرعيل الأول من المسلمين، ولا أحد يستمتع بنكء جراح الأمة، لكن الطبيب قد يوصي بالدواء المر، ويستخدم مبضعه وهو كاره .. ولتك أحيانا هي الطريقة الوحيدة لاستئصال الداء.”
“فإذا وقف المسلمون على الحياد، وقالوا: لا نصلح بين الإخوة، ولا نقاتل الباغي، لأن ما وقع هو مصداق لنبؤة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فلا شك أن هذا انحراف في فهم مقصود الشرع، وتخل عن المسؤولية الأخلاقية.”
“والذي يتأمل الجدل الشائع الآن في الساحة الإسلامية حول هذا الموضوع يدرك إلى أي حد تتحكم هذه المساوىء المنهجية فيه: سطوة وشدة، وتحامل على المخالفين، ورد الأحاديث الصحيحة والوقائع الثابتة، وتكلف وتعسف في النقل والتحليل، وإطلاق في نفي الأدلة التي لم تصل المناظر، ومبالغتا وتهويل، ونقل للإجماع في أور فيها خلاف معتبر .. إلخ”
“إن أزمة الحضارة الإسلامية أزمة دستوريّة في جوهرها، وهي أزمة بدات بوادرها ليلة السقيفة، وتحوّلت فتنة عمياء في (الجمل)، ثم شبّت حرباً هوجاء في (صفّين). وقد انتصرت في (صفّين) القوّة على الحق، والبغي على العدل، والمُلك على الخلافة. ولا يزال المسلمون عاجزين عن الخروج من هذا المأزق الدستوري حتى اليوم، رغم ما تضمنّه القرآن والسنّة من مباديء هادية في بناء السلطة وأدائها، ورغم ما توفره التجربة الإنسانيّة المعاصرة من عبرة مفيدة في هذا المضمار.”
“لقد راجع علي رضي الله عنه موقفه من بيعة الصديق لسببين : أولهما ما في قلبه من تقوي وبر يجعله يتذكر ويراجع الحق , وثانيهما ما لقيه من صدود من الجماعة المسلمة , وهكذا فأن سلطان الجماعة لم يكن أقل شأنا من سلطان التقوي في الخلافة الراشدة , وهو ما ضيعته المجتعات الاسلامية بعد ذلك فضاعت .”