“وتحولت عيناى على غير إرادة منى إلى مدخل الحجرة. كان الباب مغلقا بيد أن الرسول دخل. دخل دون حاجة إلى فتح الباب. فعرفته دون سابق معرفة فهو رسول الفناء دون سواه. واقترب منى فى خطى غير مسموعة. كان مهيبا صامتا مبتسماذا جمال لا يقاوم سحره فلم تتحول عنه عيناى ، ولم أعد أرى من شئ سواه. وأردت أن أضرع إليه ولكن لم يطاوعنى اللسان. وكأنى به قد أدرك نيتى الخفية. فازدادت ابتسامته اتساعاً. فآنست منه رفقاً ولم أعد أبالى شيئاً. انجابت عنى وساوس الليل وأحزانه وحسراته. وغفلت عن دموع من حولى ، ووجدت نفسى فى حال من الاستهانة والطمأنينة لم أعهدها من قبل. سلمت فى محبة لا نهائية وتركت جسمى فى المعركة وحيداً ! رأيت -دون مبالاة البتة- دمى يقاوم فى عروقى. وقلبى يدق ما وسعه الجهد ، وعضلاتى تنقبض وتنبسط وأنفاسى تتردد من الأعماق ، وصدرى يعلو وينخفض. وشعرت بالأيدى الحنون تسند ظهرى وتحيط بى. رأيت ظاهرى وباطنى رؤية العين بغير مبالاة ولا اكتراث. وقد تحول الرسول عنى إلى جسمى وأخذ فى مباشرة مهمته فى ثقة وطمأنينة والابتسامة لا تفارق شفتيه الجميلتين. وشاهدت نسمة الحياة المقدسة تذعن لمشيئته فتفارق القدمين والساقين والفخذين والبطن والصدر ، والدم من ورائها يجمد والأعضاء تهمد والقلب يسكت ، حتى غادرت الفم المفغور فى زفرة عميقة. سكن جسمى وصمت إلى الأبد وذهب الرسول كما جاء دون أن يشعر به أحد. وغمرنى شعور عجيب بأنى فارقت الحياة. وأنى لم أعد من أهل الدنيا.”

نجيب محفوظ

نجيب محفوظ - “وتحولت عيناى على غير إرادة منى إلى مدخل...” 1

Similar quotes

“منبهاً إلى ما يتساقط من أحلامى، أَمنع عطشي من الإسراف فى طلب الماء من السراب. أعترفُ بأنى تعبت من طول الحلم الذى يعيدنى إلى أوله وإلى آخري، دون أن نلتقي فى أى صباح. سأصنع أحلامى من كفاف يومى لأتجنب الخيبة”

محمود درويش
Read more

“انفلبت الآية الديمقراطية رأساً على عقب. فالشعب "يكلف" أحد المواطنين بأن يكون رئيساً له، ثقة فى شخصه، و من دون أن يشترط عليه أى شرط. و هو يتكرم بقبول هذا التكليف من دون أن يتعهد للشعب بأى شئ، ليمارس بعد ذلك تلك السلطات الهائلة التى يمنحها له الدستور فى 15% من مواده، فيسود و يحكم إلى الأبد بلا قيد و لا شرط و لا تعهد و لا مُسائلة. و لا يصبح من حق أحدنا نتيجة لذلك كله أن يقول له "ثلث الثلاثة كام".”

صلاح عيسى
Read more

“الكتابة كالصلاة، أجملها ما كان فى خلوة و من دون ضجيج ولا حتى ضجيج نور المصابيح، لكننا لا نستطيع أن نكتب فى الظلام.لأجل ذلك أكتفى بقراءة ما يصلنى فقط مستعيضا عن الصلاة بتسبيح لطيف.”

محمد العدوي
Read more

“ألا ابلغت عنى رسالة إليهم جميعا .. مسلميهم وأقباطهم .. ألا سألتهم أن ينظروا الأطفال كيف تلهو دون أن يعبأوا بإنتماء من يلهو معهم .. ألا سألتهم أن ينظروا فلاحا كيف يجنى ثماره دون ان يعبأ بإنتماء من سيأكله من بعده .. ألم يسمعوا شدو الكروان حين تغرب شمس مصر فى سمائها مسبحا بحمد الله ويروا كيف أن النيل يروى ظمأ الجميع دون تمييز ؟ ألم يعرف الحب طريقا إلى قلوبهم فينزهها عن ذلك البغض الذى هو وليد المصالح الملوثة ؟ ابلغهم عنى رسالة قد لا يسعفنى قدرى أن ابلغها .. أبلغهم أن هناك كان رجلا أحب الله فى قلبه وأحب الوطن جهارة .. لتعلوا أصواتهم فى كل صباح بإسم ذلك الوطن وليخشعوا جميعا فى غرفاتهم .. كنائسهم .. مساجدهم .. لله وحده .. فأنا مصرى لا يكترث إن كان جارى مسلما او قبطيا .. كلنا فى الوطن سواء وكلنا أمام الله عبيدا”

شريف عادل
Read more

“و الآن ماذا أفعل بنفسى التى تفتحت فشربت من حقيقة مقتله حتى أترعت ؟ ماذا أفعل أنا الذى لم أعد مثلما كنت ؟ ماذا أفعل بكل الذى دخلت فيه و رأيته فحفر قلبى وباطنى ونفسى ؟ وماذا أفعل بهذه الحقيقة المرة التى تأكدت لى ؟هل أغرقها فى نفسى وطياتها و أقفز من فوق هذه الهوة الهائلة التى تفصلنى عنى أنا القديم ؟أم أترك نفسى تغرق فى مرارة حزن هذا الفهم المفجع ؟وهل تبقى فى نفسى طيات تحتمل أن تطوى شيئاً من بعد ما رأيت ؟”

-مقتل فخر الدين ل عز الدين شكرى
Read more