“عُد من وظيفة مملة متمهلاً فى شوارع مسائية صاخبة إلى شقتك فى حىّ من أحياء أثينا واجلس أمام نافذة مفتوحة على مصراعيها تاركاً لجبهتك الساخنة أن يبرّدها النسيم الآتى من خرائب البارثينون القريبة حيث تعشّش آلاف الزرازير صارخةً فى الغروب بحماس لا يكلّ قبل أن تنام..ضع يدكَ حول كأس البيرة ومن إحدى الشرفات حيث تسهر أرملة يونانيّة وحيدة، دع صوت ماريا كالاس عندما تغنّى أوبرا لروسّينى يأتيك من وراء القبر، صاعداً نحو النجوم على شكل حبال من اللؤلؤ أو الفقاعات تكاد تتابعها بعينيك الحالمتين حتى أطراف قبّة اللازورد الغامض المتلاشى فى الفضاء، واعلم، آنذاك أنك تحيا.”
“الفراشة التى تطير مقيدة بخيط خفى إلى الجنةكادت تمس ذقنى و أنا جالس فى الحديقةأشرب قهوتى الأولىنافضاً من رأسى كوابيس الليلة الماضيةمتململاً فى الشمس..رأيتها تعبر فوق سياج الخشبكأنها حلم أو صلاة ، هى التى كانتدودة قز بالأمس ، سجينةفى شرنقتها الضيقة”
“هذه هي الأرض المحرّمة/حيث يفصل الأحياء عن الموتى/هذا هو السر الذي يفتح أبوابا/بحفيف ثيابه العابرة/وكالأسطورة التي ضربت بجبينها/أرضية الواقع/يتكسر التاريخ في موجة مدلهمة/على سدة طويلة من ركب الشعوب/والأسوأ من ذلك/أن المؤرخين اختفوا في العاصفة. . .”
“من كانني قبل ان أكونه؟ من كنته قبل ان يكونني ؟من كنت ؟ من ساكون ؟!”
“يُحتمل أنني، رغم كل الظواهر، مجرّد رُقعة بشرية تتنقلُ فى جُغرافية الألوهة العاقر. أو بيدق رباني تُحركهُ يدُ مجهولة على رقعة الشطرنج.”
“وعرفتُ أن الليالىمذاقُ قطرةٍ من العسل، على اللسان تتلاشى.أنّ الأشياء، دوماً، مُهدًّدةُ بالغيابوأنني، ذات يومٍ، كنتُ هنا، في هذا المكان.حيث لن أكون، أبداً، مرةً أخرى.”
“ما معنى الحِداد؟الميت في تابوته لا يـُطالب بالبلاغةالأيدي في فـَيء السطيحة تـَهشّ ذباب الصيف العنيدوماذا يقول المرء عندما يموتُ في مكانه الآخرالآخر الذي من أجله، إنما جئنا لنشرب قهوتنا المرة؟على العتبة أحذية الندّاب، وجوه المعزين تـُزيّن الصالةوأنت، أيها الميت، ترقدُ بكلّ بساطةعلى ظهرك، وتختصر الكون.كل ما أعرفه الآن: موكب السائرين في درب الحدادظلّك يطفر فوق سياج المظالم. وجهك يبدو في مرآة الهزيمةهذا ما أعرفـُه: الموتُ هو الموتوما من أحدٍ عاد من موته ليقول لنا شيئاً”