“فقررت قتل الوقت بالكلام. هل سمعت هذه العبارة المخيفة التي نستخدمها في لغتنا اليومية، نقتل الوقت! الوقت هو الذي يقتلنا ومع ذلك ندّعي أننا نقتله!”
“أنت تحب الكلمات حين تكون مثل حد السكين. كنت تسخر من طريقة الناس في الكلام, و كيف بدلاً من قول آرائهم بشكل مباشر, يلجأون إلى التوريات و المجاز. "الكلمة يجب أن تجرح " سوف تقول. من أين تريدني أن أجلب لك الكلمات التي تجرح. كل كلماتنا مدوّرة. و مهما حاولنا كسر دوائرها, فإننا نسقط في دوائر جديدة. لذلك إقبل معي هذه اللعبة, و تعال ندر مع الكلمات.”
“قال سميح إنّه دخَل السجن للمرّة الأولي في تشرين الأول عام 1967. كان يوزّع منشورا في المدينة ضد الاحتلال الاسرائيلي ، عندما اعتُقل. وفي السجن، قال، "علّمني الضابط الاسرائيلي الدرس الأول في حياتي" . حقق معي وهو يحمل المنشور في يده ، وطرح عليّ الأسئلة . في البداية نفيت ، قلت إنني كنت أقرأ المنشور ولا علاقة لي بتوزيعه ، والحقيقة أنني كاتب المنشور الذي يدعو إلي إضراب المدارس ضد الاحتلال . نظر إليّ في عيني وقال إنني جبان ! قال أنه لو كان مكاني ، ولو كانت بلاده محتلّة ، لما قام بتوزيع المناشير ، لأنه عيب ، كان عليك أن تزرع القنابل بدل توزيع هذه الأوراق . اعترفت أنني كاتب المنشور ، فزاد احتقاره لي ، وقال إننا نستحق الهزيمة.”
“والله لم نحارب الآن نقول أننا حاربنا, وإن فلسطين ضاعت لأن الدول العربية خانتنا. هذا غير صحيح, فلسطين ضاعت لأننا لم نحارب. كنا كالمجاذيب نحمل بنادقنا وننتظرهم في قرانا, وعندما يأتون بآلياتهم ورشاشاتهم الثقيلة وطائراتهم, ننهزم دون قتال”
“الطباق في الأدب، تأمل وجودي، تأتي متعته من قدرته على اكتناه المعرفة. لكن حين نعيش الطباق ونرتجف امام سواد البياض، فإننا نصاب بالرعب. احدى سمات الأدب هي القدرة على تأمل الرعب وكتابته. وهنا يأتي الطباق بين الأدب والحياة. فالأدب ليس نقيضا للحياة، كما انه ليس انعكاسا لصورتها، انه امتدادها ووجوهها الأخرى، اي طباقها الذي يرسم مسار رحلتها الى النهايات التي تصير بدايات.من "جهنم الشمس!"القدس العربي - 31/8/2010”
“هل تذكر يوم جئتني حزينا وقلت إن الناس سئموا منك،وأنا لم أستطع إزاحة الحزن عن وجهك الأبيض المستدير ماذا أقول؟؟هل أقول إن زمنك راح فعلا أو لم يأت بعد”
“في شارع مدحت باشا, على بعد أمتار قليلة من شارع الصيداني, يركض أحمد السنبك. وجد السنبك فوق تلة من النفايات لباسًا عسكريًا مرميًا ومجعلكًا.التقطه, لبس البنطلون الكاكي فوق بنطلونه الأزرق, ولبس القميص العسكري الأخضر فوق قميصه الأخضر. خلع حذاءه البنيّ, ولبس البوط المطاطي الأسود, وضع طنجرة على رأسه وصار يركض في الشوارع.كان أحمد السنبك يتلفّت يمينًا وشمالًا, ويضحك فتظهر أسنانه الصفراء المكسورة, ويركض في الشوارع. انحنى, التقط قطعة من الخشب, وضعها تحت ابطه كأنها بندقية رشاشة, صوبها بإتجاه الشارع وبدأ يطلق النار. صار يركض ويرّش بها محدثًا صوتًا صاخبًا من شفتيه. يقفز فوق النفايات, وبرك المياه الصغيرة التي تجمعت في حفر الشوارع, يقفز يسقط على الأرض, ينهض ويتابع معركته.على مدخل شارع الصيداني أصيل أحمد السنبك بخمس طلقات. نزف الدم من ظهره, لكنه تابع الركض. أليس التي كانت تقف أمام جثة غاندي الصغير المنتفخة بالماء, تروي أنه تابع الركض كأنه لم يصب. كان يركض وحنفية الدم تتدفّق من ظهره وهو لا يلتفت إلى الوراء . ركضه يتباطأ, صار يمشي وهو يركض, ثم سقط كأنه يمثّل, وقع على ركبتيه وسقط رأسه إلى الخلف, وارتفع صراخ الله أكبر.أبو سعيد المنلا هو الذي صرخ. خرج إلى الشرفة وصرخ الله أكبر. كان صوته عاليًا ومبحوحًا كأنه حشرجة. وارتفع صراخ الله أكبر من المآذن والشرفات. فجأة صارت المدينة المهجورة المدمّرة , تصرخ من مآذنها بصوت واحد. الجنود الاسرائيليون الذين كانوا يحتلّون الشارع ويطلقون النار على كل شيء, صوّبوا بنادقهم باتجاه شرفة أبو سعيد وأطلقوا التار على كل شيء, صوبوا بنادقهم باتجاه غرفة أبو سعيد, وأطلقوا.أصيب أبو سعيد, صار الدم يخرج من صدره, كأنه نافورة, سقط على أرض الشرفة متخبّطًا, وارتفعت أصوات الله أكبر من كل المآذن. سمع الجنود, أطلقوا النار ثم سكتت بنادقهم.فجأة بدأوا يتراجعون كالخائفين. انحنوا أمام الشرفات, واستندت أجسادهم المتعبة على الحيطان, وقرفصوا أرضًا. وأحمد السنبك بقي في مكانه راكعًا, ورأسه مرميّ إلى الخلف كأنه يصلّي.”