“أذكر قولاً اعتقد أنّه لهرقليطس :"روح الإنسان بلد قصيّ , لا يستطيع أحد الاقتراب منه واختراق حدوده , والتجوال فيه" . سيضحك الشاعر الاغريقي القديم . سيقول أني توهمت , وأن ما اقتربت منه وتجولت فيه كان بلدا غير بلد الروح . ربما كان محقاّ . ربما نحن لم نعطَ جواز المرو إلى مملكتنا الحقيقية . أو أن لدينا جواز المرور , و لكن شرطة الحدود لا يعترفون بجوازنا . أو أننا ما نكاد ندخل حتى نعثر ونسقط . أو أننا ندخل ونندهش ثم نتيه . الطرق لا إشارات فيها ولا أضواء . وهي كثيرة الحفر كالهاويات . ومن يدري ؟ في أماكن تتخللها الغابات الكثيفة - التي تنطلق من بين أغصانها وحوش لا تعرفها كتب الحيوان ... في دواخل الرّوح منّا تلتهمنا الوحوش !”
“في داخل كل منا جزء ميت قد لا نعرف أحيانا ما هو. ربما كان الجزء بقايا منا نحن، أو بقايا تجارب مضت فما عدنا نذكرها .. و ربما كان الجزء,, تجربة لا نزال نعيشها دون أن ندرك أن التجربة ذاتها ميتة، لا فائدة ترجـى منها.”
“تحتاج الروح إلى زاد مستمر، و لكن من العبث أن يبحث الإنسان عن الزاد في عالم الحواس، لأنه لا يستطيع أن يجده في مكان آخر غير القلب، أما في مكان خاف أو في عالم آخر لا تبلغه عيون البشر الفانين و آذانهم.”
“وإنما قيمة الأشياء بما فيها من أثر القلب أو بما لها من في القلب من أثر ولرب شيء تافه لا خطر له ولا غناء فيه ثم يكون في يد ك محب من حبيبه النائي أو الممتنع الهاجر فإذا هو قد تحول بموقعه من القلب إلى غير حقيقته فأطلعه الهوى من مطلع آخر ليس في الطبيعة فيرتفع ثم يرتفع حتى كأنه عند صاحبه ليس شيئا في الدنيا بل الدنيا شيء فيه ويكون ماهو كائن وينبعث منه روح ذات جلال أقل ما فيه أنه فوق الجلال الإنساني”
“أحبُّ يوم الأربعاء , لا أذكر أني توقفت مرةً عن هذا الحب أو تأمله , ربما لأنه كان يمثل في داخلي طعم الفكاك من شيءٍ ما , لست قادراً على تحديده بدقة . الأربعاء .. هنا يعني الزيارات , و الركض عصراً مع الأقارب و أبناء الحي , و يعني أن أبي سيأذن لي بالسهر حتى الثانية عشرة . كان هذا أبعد ما أتمناه , أني لن أكون في فراشي بعد أن أصلّي العشاء فوراّ”
“عدم الدقة في المفاهيم ، كثيرا ما يقودنا إلى رفض لا أساس له ، أو قبول لا إمعان فيه . ومن ثم نجد أنفسنا واقعين إما في دائرة التعسف ، أو في حبائل الدجل . وحتى ننجو من هذا وذاك ، ونقف في الموضع الأفضل ، لا بأس علينا من بعض المراجعة.”