“فلا إيمان بلا عمل، و لا عمل بلا إيمان. الأول مبتور لم يبلغ تمامه، و الثاني مقطوع لا ركيزة له. و بهما معاً تسير الحياة على التي هي أقوم..”
“هذا هو قانون العمل و الجزاء.. لا جحود و لا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان.. و هو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء و لا يغيب.و لا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده. و لا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته، بل لتثبت للإيمان حقيقته.إن الإيمان هو قاعدة الحياة، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان و هذا الوجود، و الرابطة التي تشد الوجود بما فيه و من فيه إلى خالقه الواحد، و ترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، و لا بد من القاعدة ليقوم البناء. و العمل الصالح هو هذا البناء. فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته.و العمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده و حيويته في الضمير. و الإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر.. و الثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق.و من ثم يقرن القرآن دائماً بين الإيمان و العمل الصالح كلما ذكر العمل و الجزاء. فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل و لا يثمر. و لا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان.”
“إنه من السهل على صاحب الدعوة أن يغضب لأن الناس لا يستجيبون لدعوته، فيهجر الناس.. إنه عمل مريح، قد يفثأ الغضب، و يهدئ الأعصاب.. و لكن أين هي الدعوة؟ و ما الذي عاد عليها من هجران المكذبين المعارضين؟!إن الدعوة هي الأصل لا شخص الداعية! فليضق صدره. و لكن ليكظم و يمض. و خير له أن يصبر فلا يضيق صدره بما يقولون!إن الداعية أداة في يد القدرة. و الله أرعى لدعوته و أحفظ. فليؤد هو واجبه في كل ظرف، و في كل جو، و البقية على الله. و الهدى هدى الله.”
“و لا حاجة كذلك لما رووه عن دلائل أمانته من قوله للفتاة: امشي خلفي و دليني على الطريق خوف أن يراها. أو أنه قال لها هذا بعد أن مشى خلفها فرفع الهواء ثوبها عن كعبها.. فهذا كله تكلف لا داعي له، و دفع لريبة لا وجود لها. و موسى - عليه السلام - عفيف النظر نظيف الحس، و هي كذلك، و العفة و الأمانة لا تحتاجان لكل هذا التكلف عند لقاء رجل و امرأة. فالعفة تنضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف و لا اصطناع!”
“و هكذا نحن في هذه الحياة نتحرك. تحركنا أشواق و هواتف، و مطامح و مطامع، و آلام و آمال.. و إن هي إلا الأسباب الظاهرة للغاية المضمرة، و الستار الذي تراه العيون لليد التي لا تراها الأنظار و لا تدركها الأبصار. يد المدبر المهيمن العزيز القهار.”
“و النفس التي تفرغ من الجد و الاحتفال و القداسة تنتهي إلى حالة من ا لتفاهة و الجدب و الانحلال؛ فلا تصلح للنهوض بعبء، و لا الاضطلاع بواجب، و لا القيام بتكليف. و تغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة! إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة. و الاستهتار غير الاحتمال. فالاحتمال قوة جادة شاعرة. و الاستهتار فقدان للشعور و استرخاء.”
“إنه مشهد انتصار الحق و الإيمان في واقع الحياة المشهود، بعد انتصارهما في عالم الفكرة و العقيدة. فلقد مضى السياق بانتصار آية العصا على السحر؛ و انتصار العقيدة في قلوب السحرة على الاحتراف؛ و انتصار الإيمان في قلوبهم على الرغب و الرهب، و التهديد و الوعيد. فالآن ينتصر الحق على الباطل و الهدى على الضلال، و الإيمان على الطغيان في الواقع المشهود. و النصر الأخير مرتبط بالنصر الأول. فما يتحقق النصر في عالم الواقع إلا بعد تمامه في عالم الضمير؛ و ما يستعلي أصحاب الحق في الظاهر إلا بعد أن يستعلوا بالحق في الباطن.. إن للحق و الإيمان حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية. فأما إذا ظل الإيمان مظهراً لم يتجسم في القلب، و الحق شعاراً لا ينبع من الضمير، فإن الطغيان و الباطل قد يغلبان، لأنهما يملكان قوة ماذية حقيقية لا مقابل لها و لا كفاء في مظهر الحق و الإيمان..يجب أن تتحقق حقيقة الإيمان في النفس و حقيقة الحق في القلب؛ فتصبحا أقوى من حقيقة القوى المادية التي يستعلي بها الباطل و يصول بها الطغيان..”