“ملخص القول: إن التشيع كان ولا يزال المذهب الاول في المنطقة، منذ دخول الاسلام إليها وحتى اليوم.. ولا صحة للأقوال المغرضة التي تقول: إن التشيع انتشر أو وفد من إيران، بل الصحيح هو عكس ذلك، فأهل هذه المنطقة كانوا عنصراً هاماً في فتوحات فارس، وكانت الهجرة منهم إليها وليس العكس، فضلاً عن المذهب الرسمي في ايران قبل قيام الدولة الصفوية، أي أن عمر التشيع في إيران لم يزد عن خمسة قرون.”
“قبل أن يدخل الاسلام إلى منطقة إقليم البحرين، القطيف والاحساء البحرين، وبحكم غناها وثروتها وإتصالاتها بالأقوام المختلفة لأجل التجارة.. سكن فيها عدد من العناصر الغير عربية كالزط المجهولي النسب، والبنط، والسيابجة، وعدد محدود من الفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتها.. إلا أن الغالبية العظمى كانت من عبدالقيس العرب. وحينما ظهر الاسلام إعتنقه أهلها سلماً، فكانت المنطقة ثاني منطقة تدخل الاسلام بعد المدينة المنورة. وتدفقت على المنطقة بعد ظهور الاسلام قبائل إمتزجت بالسكان .. فسكنتها بطون من بني عامر، وبني كلاب وغيرهم.. وفي الوقت نفسه هاجرت أعداد كبيرة من عبدالقيس الى العراق في العقد الثاني الهجري في خلافة عمر ابن الخطاب، خاصة الى البصرة والكوفة اللتين إبتنيتا حديثاً.. ولعل هذا ما يفسر الوجود الشيعي المكثف فيهما الذي بدا واضحاً في أواخر خلافة عثمان بن عفان. إن كثيراً من أُسر الشيعة المتحضرة -وهي كلها متحضرة- ترجع في أصولها الى هذه القبائل العربية، وإن كل المتحضرين في كل بلاد الدنيا لا يهتمون بالانساب والاعتزاز بها.. وإن العديد من سكان الاحساء والقطيف يعرفون أصولهم العرقية، رغم أنهم لا يستطيعون إثبات هذا الانتماء بذكر اتصاله بفرع معروف من فروع القبائل المذكورة، ويعتبر الباحثون أن هذا الامر طبيعيٌ جداً، وهي إحدى صفات التحضر والاستقرار(1).وبعكس هذا نجد البدو يعتزون بأنسابهم ويعرفون أصولهم، وكل بادية الاحساء والقطيف تتلقف الكثير منهم، وهم في أغلبهم سُنَّة يفدون من وسط وغرب وجنوب الجزيرة العربية، في حين كان السكان الحضر على الدوام شيعة. وكان البدو يفدون إلى المناطق الشرقية من الجزيرة العربية طمعاً في مراعيها المعشبة، وقرباً من مصادر الثراء والغنى والمياه والزراعة التي يقوم عليها الحضر.. وكان الخلاف بين البدو والحضر أمراً مألوفاً في كل الانحاء، ومن بينها الأحساء والقطيف، ولم يكن ذلك يعود لأسباب مذهبية، فالبدو -كما قال الباحثون- هم من أبعد الناس عن روابط الدين فضلاً عن المذهب، ولكن لأسباب إجتماعية وإقتصادية، وعادات تأصَّلت في البدو.تجدر الإشارة إلى أن كل قبيلة متى ضعفت، وزاحمتها قبيلة أخرى أقوى منها، فإنها تعمد كلها أو بعض فروعها إلى ثلاثة أمور: إما الإنضواء تحت سيطرة الأقوى، أو الهجرة إلى بلاد أخرى، أو الإستقرار في المدن والتحضر، فتترك البداوة، ويزول الإسم إلى من بعض الأفرع الضعيفة التي تنتسب إليها(2). ولذا فإن الكثير من الأسر الشيعية تنتمي إلى قبائل ضعفت أو هزمت في حروب سابقة، ونخص بالذكر قبيلة بني خالد التي ينتمي أعداد غير قليلة من الشيعة إليها.. وكان بنو خالد ق”
“جرى أيضاً إحراقٌ للمكتبات الشيعية، وآلاف المخطوطات، بإعتبارها كتب ضلال وكفر وزندقة.. وللحق لم تكن كتب شيعة شرق الجزيرة العربية وحدها التي تعرضت لعقاب المنتصر، وقد رأينا هذا في الحجاز قد تكرر أكثر من مرة، وهناك كتب بعينها سلط الوهابيون غضبهم ضدها.. غير أن إهانة الكتب الشيعية وحرق تراث الشيعة الفكري والادبي الذي كان في قمة العطاء، قد جاء بعشوائية وتخبط وعدم تمييز بين ما يتعارض مع رؤى المذهب المنتصر وما يوافقه. وقد كان لذلك الفعل أثر كبير في ضياع أهم تراث الشيعة في المنطقة، وهو أمر عانا منه الشيعة حتى الوقت الحالي، يزيد في ذلك الامر سوءاً أن الحكومة السعودية وبأوامر من رجال المذهب الوهابي صادرت لعديد من مكتبات التراث الشيعي الباقية في السنوات العشر الماضية، ولا يعلم حتى الان ما فعلت بها، وهي تحوي كنوزاً حقيقيةً في شتى حقول المعرفة. ”
“لقد كانت حملة مدحت باشا -السلطان العثماني- لإحتلال الاحساء جزءاً من سياسة الإصلاح العامة التي اتبعها العثمانيون في بلاد العرب، وكانوا جادِّين في تطبيقها، في المناطق التي استولوا عليها حديثاً في الخليج العربي، على الاقل. كانت هناك حساسية لدى العثمانيين تجاه تزايد النفوذ البريطاني في الخليج، ولم يغب عن بالهم أنهم ليسوا وحدهم في هذه المنطقة المتصارع عليها، وبالتالي كانا حريصين على انتهاج سياسة تفوت على العدو المتربص بهم ما كان يخطط لهم. ولهذا نجت الاحساء والقطيف من سياسة القمع والاستبداد التي استُخدمت بطغيان بشع في المناطق العربية الاخرى. من هنا كانت سياسة العثمانيين في المنطقة مرضيًّ عنها، بل كانت في الحقيقة الفترة الذهبية الوحيدة خلال قرنين من الزمان، ابتداء من سيطرة السعوديين الاولى عليها في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وحتى الوقت الحالي. أما الكُتَّاب والمؤرخون السعوديون، فقد تعودا على تضخيم سلبيات الحكم العثماني، ليُظهروا الحكم الذي خلفه الأتراك بصورة المخلص والمنقذ، وليُظهروا حجم الإنجاز الذي قدمه الحكم الجديد -الحكم السعودي- أو على الأقل لتخفيف وقع سلبيات حكم السعوديين.”
“كان من متاعب السعوديين في مناطق شرق الجزيرة العربية، انتشار المذهب الشيعي بين السكان ووجود تقليد استقلالي قوي.”
“يقول المستشرق السوفياتي إليسكي فاسيلييك في كتابه صفحة ١٤٧،: لم يكن سكان المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية متعاطفين كثيراً مع الرياض والوهابيين. إلا أن أهمية هذه المنطقة كبيرة لدرجة جعلت أمير الرياض -تركي بن فيصل- يرى ضرورة الاحتفاظ بها بحاميات دائمية هناك. ”
“كان يتراءى للحكام السعوديين أن القبضة الحديدية الخضوع الظاهري لسلطان القوة، كافياً لإستمرار الدولة، بل وتوسيع رقعتها.. ورغم أن مظاهر الانشقاق السياسي والديني بادية للعيان حتى تقوم أخرى. ولكن غاب عن أعين الحاكمين أن إمتلاك القوة يختلف عن إمتلاك النفوس، وأن الخضوع الظاهري لا معنى له إن لم يكون هناك ولاء حقيقي لا يعتمد على المال ولا على الترهيب، وقد رأي الوهابيون كيف تحولت عنهم القبائل في نجد والحجاز -حتى قبيلة عنزة التي تدعي العائلة المالكة أنها تنتسب إليها- وكذلك السكان الحضر، بمجرد أن وصلت طلائع القوات المصرية الى ميناء ينبع. بل إن عدداً من الموالين لآل سعود وأعمدة أركانهم، لما رأوا مصالحهم تتعارضمع بقاء آل سعود، إنضموا إلى القوات الغازية، مما جعل المؤرخ إبن بشر يغضب لذلك ويشنع على الفاعلين فعلهم.”