“وظل عبد الله بن كيران صاحب مبادرات متقدمة وجريئة في العمل الإسلامي، فهو أول من دعا إلى تكوي قطاعات نسائية في الحركة .. وقاد أيضاً أول مبادرات الاعتراف بشرعية النظام الملكي في المغرب ونبذ العمل الثوري .. وأطلق مقولة شهيرة انتشرت بشكل كبير عند كوادر الحركة، ذكرتني بمقولة معاوية بن أبي سفيان عندما قتل عمار بن ياسر في صفين، فقال معاوية جملته العبقرية: قتله الذي أتى به – واستطاعت هذه المقولة أن تحل الكثير من الإشكاليات في المنظومة الفكرية لتلك الكوادر التي كانت تميل إلى تكفير نظام الحكم في المغرب. حيث قال بن كيران: إن الدول مثل الأفراد، لا نحكم عليها إلا بما تدعيه. وإذا كانت الدولة المغربية قد أعلنت أنها مسلمة، فهي كذلك حتى لو ارتكبت ممارسات تخل بإسلامها.. ومثلما لا نكفر الفرد الذي يعلن الإسلام حتى لو ارتكب ذنوباً أو معاصي، فإنه ينبغي ألا نكفر الدولة بمجرد أن ارتكبت ما لا يتوافق مع الإسلام طالما أعلنت أنها مسلمة) طبعاً كانت هذه مقولة سياسية بامتياز، وليست خاضعة لتمحيص شرعي، ولكنها فعلت فعلها داخل الحركة واستطاعت أن تخفف كثيراً من غلواء التفكيروالرفض لشرعية النظام عند قواعد الحركة في الثمانيات.”
“من الأفكار التي أطلقها بن كيران واستفادت منها الحركة فكرة أن مهمة الحركة الإسلامية ليست الوصول إلى السلطة حتى ولو كان الهدف إقامة الدين، بل إن مهمتها هي المشاركة في إقامة الدين من دون أن يتوقف ذلك على الوصول إلى السلطة، وهو يرى أن الحركة الإسلامية إذا صارت سياسية وطلبت الحكم - ولو لإقامة الدين- فهي سيجري عليها ما يجري على الساسة وطلاب الحكم. ويلح دائمًا على أن فعل الحركة يجب أن يكون تغيير ما بالنفس والمجتمع وليس الوصول إلى السلطة التي ستأتي تتويجًا لهذا التغيير وليس مقدمة إليه.”
“يتضح أن الإسلام ثورة اجتماعية، يقاتل فيها المظلومون عن حقهم في الحياة. وهم أيضا إنما يقاتلون المترفين لكي يحققوا نظام العدالة و المساواة بين الناس و ينشروا بينهم أمر الله. هذه هو الحق الذي فهمه علي بن أبي طالب وجاهد في سبيله. فالأمر ليس جهادا في سبيل الفتح و الغلبة كما ظنَّ معاوية ومن لف لفَّه من وعاظ السلاطين ، والإمام علي إذن لا يعتم بمصلحة الدولة بقدر اهتمامه بمصلحة الشعوب التي تحكمها تلك الدولة”
“من حكم عبدد الله بن مسعود :اطلب قلبك في ثلاث مواطن: عند سماع القرأن، و في مجالس الذكر، و في أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك.”
“يوم أن قال عقيل أخو علي بن أبي طالب:" إن صلاتي مع علي أقوم، وطعامي عند معاوية أدسم".إن هذه الحياة النفسية المنقسمة بين الطعام والصلاة كان من أعراض الصراع بين الفكرة والشيء، وقد واصل هذا الصراع طريقه منذ ذلك الوقت. وعندما فكر الغزالي بعد مضي أربعة قرون أن يجدد في العلاقة الدينية بين المجتمع المسلم والعالم الثقافي كان الآوان قد فات، فقد كانت المرحلة الثالثة من الحضارة قد بدأت، ولم يكن بمقدور المجتمع الإسلامي إلا أن يواصل انحدراه حتى يصل إلى عصر ما بعد الموحدين، ولم يكن بمقدوره وهو يسترسل في المنحدر المشؤوم أن يسترد توازنه الأصلي.”
“لقد عرفت الحركات الإسلامية نوعًا من القيادات على استعداد أن تناطح أعتى نظام وتتحدى أقوى سلطة لكنها لا تملك الجرأة أمام جماهيرها فتضعف تجاهها وتخشاها بأكثر مما تخشى السلطة بل وتتردد في مواجهتها فيما تستخف بالسلطة ربما يمكن أن تلاقيه منها من تضييق واعتقال وسجن، فيما ندر فيها القيادات من أمثال عبد الإله بن كيران الذي يغامر بمواجهة الجماهير ويقبل أن يتصدق بعرضه في هذه المواجهة من أجل تحرير حركته من المعارك الوهمية أو الخروج بها من الأنفاق التي تؤدي بها خارج التاريخ.لقد تأخر تطور كثير من الحركات الإسلامية بسبب أن القيادة وقعت أسيرة الجماهير فداهنتها وأنتجت لها خطابًا على قدرها فنزلت بها الجماهير بدلاً من أن تأخذ هي بيدها وتنقلها نحو الأمام، ومن هنا يجب أن نتوقف في أي قراءة للحركة الإسلامية المغربية أمام عبد الإله بن كيران صاحب نموذج القيادة من دون كاريزما”