“سعيد بن جبير: والله إن كل شهيد يسقط في سبيل الحق ليزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة. وقد يبقى الطغيان حيناً من الدهر، ولكنه سيبقى مرتجف الأوصال محروماً من الأمن والطمأنينة وراحة البال.”
“دخل على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابنه المؤمن التقي عبد الملك، وقال له في حماس متوقد: يا أبت ما لك تبطيء في إنفاذ الأمور؟! فوالله ما أبالي لو غلبت بي وبك القدور في سبيل الله! فقال الأب الحكيم: يا بني إن الله ذم الخمر في آيتين وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه جملة!”
“وقد وضع محمد بن المختار الشنقيطي اثنتين وعشرين قاعدة علميّة، استنبطها من قراءته الواسعة ودراسته المستفيضة للموضوع من جميع جوانبه، ومن تأملاته العميقة، ومن موازناته المحايدة بين مختلف المواقف ومختلف اﻵراء والاحكام؛ مستفيداً مما كتبه الراسخون في العلم من أئمة الأمّة، الذين تميّزوا بالاعتدال وجمعوا بين صحيح المنقول وصريح المعقول، وبخاصّة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أكثر النقل عنه والتعويل عليه. وهو محق في ذلك، وإن كان قد أبدى بعض الملاحظات عليه، وليس في العلم كبير، وهو على كل حال بشر غير معصوم.”
“والإسلام يحترم غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ويعتبرهم في ذمة الله وذمة رسوله وذمة المسلمين، أي في عهدهم وضمانهم، وهذا تعبير ديني يعني لدى المسلم: أنه يتعبد لله تعالى بالمحافظة عليهم والدفاع عنهم والبر لهم والإقساط إليهم. فإن كان التعبير يؤذيهم فليُترك حرصا على شعورهم، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء. وقد غيّر عمر بن الخطاب ما هو أهم من ذلك حين طلب إليه نصارى بني تغلب من العرب أنهم يأنفون من كلمة "جزية" وأنهم يريدون أن يدفعوا كل ما يُطلب منهم وأكثر باسم "الصدقة" فقبل عمر منهم ذلك وقال: هؤلاء القوم حمقى، رضوا المعنى وأبَوْا الاسم!”
“المجدد الحقيقي هو الذي يجدد الدين بالدين وللدين وأما من يريد تجديد الدين من خارجه فهو ابعد ما يكون عن التجديد الحق”
“فلا ينبغي التركيز - إذن - على عبقرية فرد موهوب تبعثه العناية الإلهية ليملأ الأرض عدلا كما مُلئت ظلما وجورا، أو يجدد للناس دينهم الذين انحرفوا عن صراطه فقها أو عملا. وقد كتبتُ بحثا ضافيا في حديث أبي داود الذي يرِد على كثير من الألسنة والأقلام: "أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وهو حديث صحيح، ولكن معظم الشراح مالوا إلى أن "مَن" في قوله "مَن يجدد" للمفرد، وظلوا يبحثون لكل مائة سنة عن مفرد علم مشهور بعلمه وفضله ليكون هو مجدد القرن. والذي انتهيت إليه أن "مَن" تصلح للجمع كما تصلح للمفرد، بل هي في الحديث أولى أن يراد بها الجمع، فليس بالضرورة أن يكون المجدد فردا واحدا، بل قد يكون جماعة لها كيانها الواحد - أو قد تكون متفرقة في البلدان - كل واحد فيها قائم على ثغرة يحرسها، في ميادين الفكر أو العمل أو الدعوة أو التربية أو الجهاد أو غيرها. وبهذا يكون سؤال المسلم: ما دوري في حركة التجديد؟ بدل أن يكون كل همه أن يسأل: متى يظهر المجدد؟”
“وهنا ينبغي أن يعامل كل إنسان في حدود مرتبته، فمن الناس من لا يُنكر عليه الوقوع في الشبهات، لأنه غارق في المحرمات وربما في كبائرها، والعياذ بالله. كما يجب أن تظل الشبهة الشرعية في رتبتها الشرعية، ولا نرفعها إلى رتبة الحرام الصريح أو المقطوع به. فإن من أخطر الأمور: تذويب الحدود بين مراتب الأحكام الشرعية، مع ما جعل الشارع بينها من فروق في النتائج والآثار.”