“تبدأ المعرفة بالوعي بمدى خديعة مداركنا وحواسنا إيانا, بمعنى أن الصورة التي لدينا عن الحقيقة المادية لا تتفق تماما مع الحقيقة الحقيقية. ذلك أن أغلبية الناس أنصاف أيقاظ-أنصاف حالمين. وأنهم على غير وعي بأن ما يرونه حقيقة وأمورا واضحة لا تحتاج لإثبات ليست إلا اوهاما من صنع ايحاءات البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها. وتبدأ المعرفة اذا بتبديد الوهم. والمعرفة تعني رؤية الحقيقة عارية, تعني النفاذ تحت السطح والسعي, الإيجابي النشيط والنقدي, للاقتراب من الحقيقة دائما.”
“لم يكن هدف المعرفة -عند المفكرين- الوصول إلى يقين الحقيقة المطلقة, اي الوصول إلى شيء ما يشعر الشخص بالأمان, وإنما المعرفة عندهم هي عملية إثبات العقل الإنساني لذاته, والجهل بالنسبة لمن يرى الأمور على هذا النحو, لا يقل عن المعرفة قيمة, فكلاهما جزء من عملية المعرفة.”
“في نمط الكينونة, لا يكون الإيمان -في المقام الأول- مجرد إيمان بأفكار معينة وإن كان من الممكن أن يتضمن هذا أيضا, إنما الإيمان- في المقام الأول- هو توجه داخلي, موقف, ولعله من الأنسب أن يقال إن شخصا ما في حالة الإيمان, على أن يقال إنه يملك إيمانا,يمكن ان الشخص في حالة ايمان بنفسه وبالأخرين, والمتدين في حالة إيمان بالله, والله في العهد القديم هو بالدرجة الأولى نفي للأصنام للآلهة التي كان الناس يملكونها.وإيماني بنفسي وبالأخرين وبالجنس البشري يتضمن ايضا نوعا من اليقين, ولكنه يقين اساسه تجربتي الذاتية, وليس خضوعي لسلطة تملي عليّ نمطا معينا من الإيمان. إنه يقين الحقيقة التي قد يستحيل إثباتها بأدلة عقلية ملزمة, ومع ذلك فهي الحقيقة التي أنا على يقين منها لأن ثمة أدلة عليها من تجربتي الذاتية.إذا كنت على يقين من أن شخصا ما تتوافر فيه صفات التكامل الإنساني فإنني لا استطيع أن اقيم الدليل على أن تكامله يمكن ان يستمر لآخر يوم في حياته.وحتى لو حدث, فليس ثمة ما يستبعد احتمال اختلال التكامل لو امتدت الحياة به, إن يقين يقوم على معرفتي بالشخص الآخر, وعلى تجربتي الشخصية في الحب والتكامل الإنساني, وهذا النوع من المعرفة لا استطيع التوصل اليه إلا بقدر ما استطيع تنحية ذاتيتي ورؤية شخصية الإنسان الآخر كما هي, واستجلاء بناء قواه الداخلية, رؤيته في تفرده كما في انسانيته الشاملة في الوقت نفسه.”
“الشخص الحذر الاقتنائي يشعر بالأمان, غير انه بالضرورة يعيش في خطر كبير, فهو يعتمد في وجوده على ما يملك من مال ومكانة وحيثية, اي على شيء خارجه, فما الذي يبقى منه إن هو فقد ما يملك ؟ ذلك أن كل ما يملكه الإنسان أو يقتنيه يمكن أن يفقده. وغني عن الذكر أن الشخص إذا فقد ممتلكاته فإنه يفقد ايضا مكانته واصدقائه, كذلك يمكن في اي لحظة, طال الزمن ام قصر, ان يفقد حياته ذاتها.إذا كنت انا هو ما املك, ثم فقدت ما املك, فمن اكون ؟ لن يبقى سوى شاهد مهزوم متضائل مثير للشفقة .. شاهد على اسلوب حياة خاطئ. فحيث إني يمكن أن افقد ما املك فأنا بالضرورة في قلق وخوف دائمين من امكان حدوث هذا, انا في خوف من اللصوص والتقلبات الاقتصادية والثورات والامراض والموت, كذلك انا في خوف من الحب والحرية والتطور والتغير. وفي خوف من المجهول, هكذا دائما في خوف وقلق, اعاني من امراض الذعر والوسوسة المزمنة, ليس فقط من فقدان الصحة, وانما من فقدان اي شيء آخر املكه, هكذا اتحول الى كائن مشغول بالدفاع عن نفسه, موسوس وحيد تتملكني الحاجة لامتلاك مزيد من الاشياء التي انشد فيها مزيدا من الحماية.”
“ولم يعد نمو النظام الاقتصادي خاضعا للاجابة على السؤال: ما الذي يجب عمله لخير الإنسان ؟ وانما اصبح السؤال هو: ما الذي يجب عمله لخير النظام وتنميته ؟ وحاول البعض اخفاء حدة هذه المواجهة بالترويج لفرضية أن ما هو خير للنظام بل لمؤسسة واحدة هو خير للناس جميعاً. ودعم هذا البناء وكمله بناء اضافي آخر هو الخصال التي يحتاجها النظام من الكائنات البشرية: من انانية واثره وجشع, وهي خصال مغروسة في مصممي الطبيعة البشرية . وعليه فإن هذه الخصال تقوى وتتعزز ليس بفعل النظام وحده, وإنما ايضا بقعل الطبيعة البشرية ذاتها.اما المجتمعات التي لا تعرف الأنانية أو الأثرة أو الجشع, فقد افترض انها مجتمعات بدائية, رجالها ونساؤها كالأطفال. ورفض الناس الاعتراف بان تلك السمات التي اوجدت المجتمع الصناعي ليست دوافع طبيعية, وانما هي نتاج الظرف الاجتماعية.”
“إن الايمان, في نمط التملك, ليس إلا عكازة يتوكأ عليها من ينشد اليقين, من يريد أن يعرف للحياة معنى, ولكن دون أن تكون لديه الجرأة على البحث بنفسه.”
“إن اسلوب العيش التملكي اي السلوك الذي يتركز حول الملكية والربح, لا بد من أن يخلق الرغبة, بل الحاجة الى القوة, فمن اجل السيطرة على كائنات بشرية اخرى نحن بحاجة الى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم, ولاحكام قبضتنا على ما نملك من ممتلكات خاصة, نحن بحاجة لاستخادم القوة لحمايتها من اولئك الذين يمكن أن يأخذوها منا, لانهم مثلنا لا يمكن ان يقتنعوا بما عندهم, الرغبة في الحصول على الملكية الخاصة تولد الرغبة في استخدام العنف من اجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة او خفية.وتكمن سعادة الشخص في السلوب التملك في تفوقه على الآخرين, وفي قوته, وهي -في التحليل الآخير- تكمن في قدرته على أن يغزو ويسرق ويقتل. أما في اسلوب الكينونة فإن السعادة هي المحبة والمشاركة والعطاء.”