“كانت ملابسهم رثة، غير أن نظرات السلام و التصميم على النصر علت وجوههم و هم نائمون.. لقد أدركت الآن لماذا كان هؤلاء الرجال على استعداد للموت دون أن يهتز لهم جفن، ففي اليوم الذي قضيته معهم لاحظت مدى تمسكهم بدينهم و اعتصامهم بحبل الله .. و لم يخطر ببالهم و لو للحظة أن يضيقوا بما قسمه الله لهم مهما كان مصيرهم .. فقد كانوا يحمدون الله و هم تحت المشانق على نعمة الحياة التي وهبها الله إياهم و يتحملون أي معاناة .. كانوا هؤلاء الرجال النائمون أمامي فقراء و أميين .. فلم يعرفوا القراءة .. بل كانوا يكتبون أسمائهم بصعوبة .. و لكنهم كانوا بالنسبة لي أنبل من رأيت من البشر”
“إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين؛ فوجدتهم في واقع الحياة قائمين.. يجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم، مؤمنين في قرارة نفوسهم أن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين.إلى هؤلاء الفتية الذيت كانوا في خيالي أمنية و حلما، فإذا هم حقيقة و واقع، حقيقة أعظم من الخيال، و اقع أكبر من الآمال.إلى هؤلاء الفتية الذين انبثقوا من ضمير الغيب كما تنبثق الحياة من ضمير العدم، و كما ينبثق النور من خلال الظلمات.إلى هؤلاء الفتية الذين يجاهدون باسم الله. في سبيل الله. على بركة الله. أهدي هذا الكتاب.”
“الذين يسيئون فهم الدين أخطر عليه من الذين ينحرفون عن تعاليمه، أولئك يعصون الله و ينفّرون الناس من الدين و هم يظنون أنهم يتقرّبون إلى الله، و هؤلاء يتبعون شهواتهم و هم يعلمون أنهم يعصون الله ثم ما يلبثون أن يتوبوا إليه و يستغفروه.”
“فأما الساعة فهي الموعد المرتقب للجزاء الكامل العادل، الذي تتوجه إليه النفوس فتحسب حسابه؛ و تسير في الطريق و هي تراقب و تحاسب و تخشى الانزلاق.. و الله سبحانه يؤكد مجيئها: (إن الساعة آتية) و أنه يكاد يخفيها. فعلم الناس بها قليل لا يتجاوز ما يطلعهم عليه من أمرها بقدر ما يحقق حكمته من معرفتهم و من جهلهم.. و المجهول عنصر أساسي في حياة البشر و في تكوينهم النفسي. فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه. و لو كان كل شيء مكشوفا لهم - و هم بهذه الفطرة - لوقف نشاطهم و أسنت حياتهم. فوراء المجهول يجرون. فيحذرون و يأملون، و يجربون و يتعلمون. و يكشفون المخبوء من طاقاتهم و طاقات الكون من حولهم؛ و يرون آيات الله في أنفسهم و في الآفاق؛ و يبدعون في الأرض بما شاء لهم الله أن يبدعوا.. و تعليق قلوبهم و مشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة، فهم من موعدها على حذر دائم و على استعداد دائم. ”
“إن المسئول عن انهيار مملكة السماء هم رجال الدين أنفسهم ! ... أولئك كان ينبغى لهم أن يتجردوا من كل متاع الأرض، و يظهروا فى زهدهم بمظهر المنتظر حقاً لنعيم اَخر فى السماء ... لكنا نراهم هم أول من ينعم بمملكة الأرض، و ما فيها من أكل طيب يكنزون به لحماً، و خمر معتق ينضح على وجوهم المورة، و تحت إمرتهم : السيارات يركبونها، و المرتبات يقبضونها ! ... إنهم يتكلمون عن السماء، و كل شئ فيهم يكاد ينطق بأنهم يرتابون فى جنة السماء، و أنهم متكالبون على جنة الأرض. هؤلاء هم وحدهم الذين شككوا الناس فى حقيقة مملكة السماء ...إن كل ما بناه الأنبياء بزهدهم الحقيقى، و جوعهم، و عريهم، مما أقنع الناس بأن هؤلاء الرسل هم حقاً ينتظرون شيئاً فى العالم الاَخر .. جاء هؤلاء فدمروه! و كانوا أقوى دليل على كذب مملكة السماء، و خير دعاية لمملكة الأرض ... و أنسوا الناس بانغماسهم فى هذه الحياة، أن هنالك شيئاً اَخر غير هذه الحياة ! إيفان لـ محسن فى رواية "عصفور من الشرق”
“و مهما يكن, فإن هذه الصعوبات المهنية لم تكن تعني شيئاً على الإطلاق بالنسبة لهؤلاء الأساتذة الذين كان منهم متطوعون و آخرون يقنعون بمرتب زهيد و متقطع: بالطلاب لم يكونوا يدفعون رسوماً و الأساتذة كانوا يعتبرون العمل في هذه المدرسة واجباً وطنياً. و لذلك, فكما أن التحاقهم بهذه المدرسة كان تحدياً لمضايقات سلطات الحماية الفرنسية كذلك كان تحدياً للمشاكل المهنية, و في مقدمتها التدريس باللغة العربية التي كان عليهم أن يتعلموها و هم أساتذة يدرسون. إنه جيل الرواد... جيل التضحية من أجل الاستقلال الوطني و الإعداد له”