“الحقيقة التي لا جدال فيها أن الإخوان المسلمين كانوا بعيدين كل البعد عن تيارات العنف، بل إن وجودهم كان ضروريا لمنع تلك التيارات من الانتشار الواسع في صفوف الشبان المصريين. ولم يكن في نشاطات الإخوان في النقابات المهنية وأوساط الطلاب الجامعيين من جديد. بل إن عقد التسعينات، شهد صعودا حثيثا في نقابات المهندسين، المحامين، الصيادلة/ الصحافيين، الأطباء، ونوادي التدريس بالجامعات المصرية.”
“في كل من سورية ومصر والجزائر استخدم الإسلاميون مسوغات مختلفة لإسباغ الشرعية على استخدامهم العنف المسلح. مرة استند العنف الإسلامي إلى مقولة الحاكمية، مرة إلى مفهوم الجاهلية المعاصرة، ومرة إلى مفاهيم سلفية استنبط منها تكفير الأنظمة الحاكمة ووجوب قتالها. ولكن العنف في الحقيقة كان خيارا عبر عن الاستقطاب الحاد في المجتمعات الإسلامية وعن انغلاق الأفق السياسي، ولم يعدم دعاته وسيلة أو أخرى لإضفاء شرعية عليه. وكان طبيعيا أن تصل موجة العنف إلى نهايتها بعد أن استعدت قوى اجتماعية عدة وعجزت عن مواجهة عنف الدولة. بيد أن المشكلة الأساسية لم تنته بعد. فلا في سوريا ومصر والجزائر، ولا في الكثير من الدول الإسلامية الأخرى، قدمت الدولة إجابة مقنعة عن السؤال الإسلامي الملح. هزم العنف الداخلي إلى حد كبير. ولكن، إن كان من الممكن هزيمة قوى العنف وعزلها، فإن التحدي الحقيقي يظل تحدي التعامل مع التيارات الإسلامية الإصلاحية: التيارات المدنية الداعية للتعددية والمشاركة الشعبية ومواجهة الفساد، وتسندها قطاعات شعبية واسعة.”
“وسيكون من الصعب على الإسلاميين الارتفاع إلى مستوى تمثيل جماعاتهم الوطنية إن نظروا إلى أنفسهم بوصفهم طائفة مميزة عن بقية الشعب. التيار الإسلامي هو تيار سياسي يأخذ من التصور والتجربة الإسلامية مرجعا. ولكن الخطاب الإسلامي لا يعطي الإسلاميين قداسة ولا يجعلهم بالضرورة جماعة مختارة. كقوى سياسية، يصيب الإسلاميون ويخطئون، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ووحده الشعب هو من يملك الحق في الحكم على مصداقية الوعود والبرامج. إن ادعى الإسلاميون أن المرجعية الإسلامية توفر حصانة ما لهم، فسينتهون إلى بناء استبداد جديد، لا يمزق الشعوب والمجتمعات فحسب، بل يمزق القوى السياسية الإسلامية كذلك.”
“في مقابل كل إنجاز قدمه عبد الناصر لمصر، كان على مصر أن تنحدر خطوة اخرى في انصياعها لإرادة الدولة، في مقابل استقلال القرار والتصدي للإملاءات الخارجية، فرضت الدولة على المصريين حكم الأجهزة الأمنية. في مقابل مجانية التعليم، سيطرت الدولة على كل الحقل التعليمي، في مقابل النهوض الصناعي وتوفير العمل للجميع، تحكمت الدولة في الاقتصاد كله، وفي مقابل تطوير الأزهر وتنميته، كان على الأزهر أن يصبح أداة في يد الدولة.”
“فعلاقة الحب والكراهية التي تربط أوروبا الموحدة بتركيا، الدولة الأوروبية، العلمانية، الإسلامية، في الآن نفسه، باتت ضمانة قوية لاستمرار الحكم المدني في تركيا وتقليم أظافر مؤسستها العسكرية. ولا يمكن إغفال الحكمة والنزاهة والإحساس بالواجب الذي يميز قادة العدالة والتنمية. بل وربما أصبح من الممكن القول إن تركيا العدالة والتنمية قد تصالحت أخيرا مع نفسها.”
“ومن المدهش أن أفكار المودودي المبكرة هي التي انتشرت في العالم الإسلامي، بالرغم من تطور قناعاته باتجاه التحول السلمي نحو الإسلام وباتجاه الالتزام بالنهج الديمقراطي. ولم يلحظ كثير من الإسلاميين الذين تأثروا بأفكار المودودي المبكرة أن هذه الأفكار سجلت في سياق الوضع الخاص لمسلمي الهند قبل قيام باكستان.”
“ولكن الدرس الذي يشارك السودان فيه تجربتي الإسلاميين في إيران وأفغانستان أن الإسلاميين لم يصلوا بعد إلى حل إشكالية الدولة الحديثة وعلاقتها بالمجتمع. في الحالات الثلاث لم يكن الوصول إلى السلطة هو المشكلة، بل كيف يكون التعامل مع أداة الدولة بعد القبض على مقاليدها.”