“إذا قال العلماء أن الأمة هي مصدر السيادة فلا تعارض بين هذا القول و بين القول بأن القرآن الكريم و السنة النبوية هما مصدر التشريع، فإن الأمة هي التي تفهم الكتاب و السنة و تعمل بهما، و تنظر في أحوالها لترى مواضع التطبيق و مواضع الوقف و التعديل و تقر الإمام على ما يأمر به من أحكام أو تأباه”
“العلاقة بين الأمة و الإمام تقوم على أساس عقد بين طرفين, تكون الأمة فيه هي الأصيل, و الإمام هو الوكيل عنها في إدارة شئونها, فالحكم و السلطة ليسا بالتفويض الإلهي, و ليسا بالحق الموروث, بل بعقد البيعة بين الأمة و الإمام”
“نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى و هارون آتاهما الله كتاباً.و يسمى هذا الكتاب (الفرقان) و هي صفة القرآن. فهناك وحدة حتى في الاسم. ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق و الباطل، و بين الهدى و الضلال، و بين منهج في الحياة و منهج، و اتجاه في الجياة و اتجاه. فهي في عمومها فرقان. و في هذه الصفة تلتقي التوراة و القرآن.”
“فإذا أخطأ من يقحم القرآن فى تأييد النظرية العلمية قبل حدوثها, فمثله فى الخطأ من يقحم القرآن فى تحريمها و هى بين الظن و الرجحان, و بين الأخذ و الرد , فى انتظار البرهان الحاسم من بينات العقل أو مشاهدات العيان .و قد أخطأ هذا الخطأ جهلاء الدين و العلم الذين حرموا القول بدوران الأرض , و هو أثبت من وجودهم على ظهرها , و أخطأ مثلهم من حرموا القول بجراثيم الوباء و هى- فيما تبين بعد-إحدى حقائق العيان”
“و دعك بعد هذا من تلك الخرافة التي تتحدث عن "الأمة مصدر السلطات" و عم حق الانتخاب و الاختيار, انها خرافة لا تستحق المناقشة , فهذه الأمة مصدر السلطات هي هذه الملايين الجائعة الهزيلة,الجاهلة المستغفلة .هذه الملايين المشغولة نهارها و ليلها بالبحث عن اللقمة.الملايين التي لا نملك أن تفيق لحظة لتفكر في ذلك الترف الذي يسمونه حق الانتخاب و حرية الاختيار. الملايين التي يشير لها السيد فتنتخب, و يشير ها السيد فتمتنع و لأن هؤلاء السادة هم خزنة أرزاقها و أقواتها , و ملاك الإقطاع الذي يؤوي هؤلاء الجياع !إن الحديث عن الدساتير و البرلمانات يصلح مادة فكاهة , يتسلي بها الفارغون. و لكنه يصلح حديث أمة تريد الجد, و تنظر إلي الواقع بعين الاعتبار!”
“ فالسلطة في هذه ” الدولة ” الإسلامية مدنية : لأن مصدر السلطات في المجتمع هو الأمة , و الحاكم نائب عنها , و مسئــــــول أمامها , و خادم لها , و منفذ لقوانينها المدنية , و المحكومة بأطر الشريعة الإلهية في ذات الوقت و ليس هذا الحاكم ظلا لله و لا سيفا مسلطا على رقاب العباد ! فهذه الشئون ”الدنيوية ” : ” بشرية ” و ليست الهية و مصدرها العقل الإنساني و التجربة الإنسانية المحكومـــــــــان بأطر مقاصد الشريعة , و ليس مصدرها الرسالة و الرسل و الأنبياء . فكما قال الإمام محمد عبده فإن كل ”: ما يمكن للإنســــــان أن يصل إليه بنفسه , لا يطالب الأنبياء ببيانه , و مطالبتهم به جهل بوظيفهم , و إهمال للمواهب و القوى التي وهبه الله إياها ليصل بها إلى ذلك. ”“ الإستقلال الحضاري – د/ محمد عمارة”