“ليست مشكلة العالم الإسلامي اليوم بصدد تطبيق الإسلام, أن أحكام الحدود غير مطبقة فيه أو أن المسلمون يتعاملون بالربا, أو أن أنظمتهم مستوردة من الغرب أو الشرق. وإنما المشكلة الكبرى أن أكثر المسلمون فيه ضائعون عن هوياتهم, غافلون عن مصيرهم, لم يرسخ في ضمائرهم بعد معنى كونهم عبيداً لله عز و جل, و أنهم مجرد سلعة في بضاعة الرحمن, و أن في أعناقهم بيعة كبرى لمالكهم عز و جل. فتسلل سلطان الأهواء إلى نفوسهم, و ران ظلام الشهوات على قلوبهم, فمهما غرست في ساحات هذه النفوس أحكاماً و أنظمة إسلامية, لا بد أن يكون مصيرها الذبول و الإنمحاق.و إنما تحل المشكلة, بإيقاظ العقول الى حقيقة هذا الكون و ما وراءه و ما بعده, و بإيقاد سرج الإيمان الحقيقي بالله عز و جل في طوايا النفوس المظلمة, ثم تغذية هذا الإيمان بغذاء الذكر و العبادة, الى أن تستيقظ في الجوانح مشاعر الرغبة و الرهبة, و يتحول الكيان الإنساني مظهراً لقول الله عز وجل: (قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين).فعندئذ يسارع المسلمون الى أداء واجباتهم, و النهوض بتكاليفهم, و أداء حق البيعة المتبثة في أعناقهم. فتطبق الحدود و يتنع الربا و تزول الفةاحش, و يستقيم النظام. و يصبح التشريع والقانون مجرد حصنللوقاية, و سياج للحماية, و يتحد المسلمون بعد التفرق و الشقاق.”

محمد سعيد رمضان البوطي

Explore This Quote Further

Quote by محمد سعيد رمضان البوطي: “ليست مشكلة العالم الإسلامي اليوم بصدد تطبيق الإس… - Image 1

Similar quotes

“إنهم إنما يحمدون نتائج هذه العقائد و آثارها التي تبرز في صعيد الوجدان و الشعور، دون أن يستيقنوها بحد ذاتها و يؤمنوا بها الإيمان العقلي السليم.و إلا لساقتهم العقيدة إلى الالتزام، و لتنبهوا إلى التلازم الضروري الواضح بين العقيدة التي تستقر في النفس و آثارها التي لا بد أن تظهر في الحياة و السلوك على كل من الصعيدين الفردي و الاجتماعي.”


“و إن العقل يقرر أن الكون يتألف من محاور ثابتة لا تتبدل و لا تتغير، و من مظاهر أو نسج متبدلة متطورة، و لا بد أن يقابل الثابت من حقائق الكون بثابت من النظم و المبادئ، و أن يقابل المتطور منه بمتطور من تلك النظم نفسها.”


“و ليس لك أن تتوقع ملاحقة الخطاب الرباني بمثل هذا التهديد [{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}], لأناس لم يدخلوا مع الله في عقد الإيمان به و الانقياد لحكمه فأخذوا حظهم من الأهواء و المحرمات و الإعراض عن الواجبات, كما لا ينبغي أن تتوقع نزول العقاب الرباني بهم في دار الدنيا، إلا إن كنت تتصور أن انقيادهم للواجبات السلوكية مقبول و مثاب عليه من الله تعالى حتى مع كفرانهم و جحودهم به، و أن ابتعادهم عن المحرمات مأجور من الله عليه حتى مع عدم إيمانهم به و مع عدم اكتراثهم بشرائعه، و لا يتصور ذلك إلا محجوب عن الدين و حقيقته غائب عن القرآن و عن سنن الله في عباده، لم يطرق سمعه قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}، أو قوله تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}.”


“الكون كُله منذ فجر الحياة مسرحٌ للصور المتضادة و المظاهر المتناقضة..فهذا الليل و النهار ، و النور و الظلام ، هذه الشمس المتوهجة و الظلال الوارفة، هذا الهجر و الوصال، و المآتم و الأعراس.. هذه المآسي و الأفراح، هذا البؤس و النعيم، هذه الورود الناعمة بين أشواكها الدامية- كل ذلك نماذج لمشهد هذا الكون المتناقض أبدعه الله كذلك ليوجد في كل من الخير و الشر معناه ، و ليستبين كل منهما بالآخر و يتميز كل عنصر بنقيضه ثم لكي تشيع في الكون روح الحركة و الكفاح و لترتبط هذه الخلائق بنظام السعي و التعاون ...”


“أفيحق لكل أمة أن تسن ما تشاء من قوانين الردع و الزجر حسبما تراه من فلسفة لمعنى الكون و الإنسان و الحياة خطأً كانت الرؤية أم صواباً، ثم لا يحق لخالق الكون و الإنسان و الحياة أن يشرع سبحانه قوانين الردع و الزجر بما يتفق مع خلقه و يتسق مع نظام كونه و وظائف عباده؟؟”


“و ما معنى الإيمان الجاد بالله إذا دار في خلد المسلم أن علم الله محدود، و أن علم البشر و تجربتهم أفضل من علم الله و أصدق و أولى بالاتباع؟”