“كرس هذا الأمر مبدعون حقيقيون، أنتجوا إبداعا لا شك في أصالته، لكن حياتهم كانت مثالا للتفلت من كل منظومة قيمية و أخلاقية، طبعا كان هناك مبدعون لم يكن في حياتهم شيء كهذا، على الأقل ليس هناك فضيحة مدوية، لكن الصورة التي رسخت عن الإبداع و المبدعين، هي الصورة المتفلتة، كما لو أن التفلت هو صنو الإبداع، و ساعد ذلك على الترويج للتفلت عند فئة تتمنى أن تكون مبدعة، أو تدعي أنها كذل، لذلك نراهم يتفلتون من كل شيء، من المظاهر (في أبسط تفاصيل النظافة أحيانا) إلى الجوهر، الذي يجعل حياتهم عارية من كل التزام شخصي أو عائلي أو اجتماعي، و كل ذلك تحت شعار الإبداع، و لأن الإبداع عملية أعقد بكثير من ترهات سطحية كهذه، فهم لا ينتجون حقا إلا سخافات، لا يراها إبداعا إلا نقاد على شاكلتهم.. و هذا لا ينفي أبدا وجود مبدعين حقيقيين متفلتين.. لكن الصورة النمطية للمبدع المتفلت عممت هذا الأمر، و جعلتهما يتماهيان بطريقة غير مقبولة..”
“الكسل فعلاً لا ينافس النشاط ، و الإبداع لا ينافس الرتابة ، و التحفيز لا ينافس الإحباط . هذه أضداد لا تقبل التنافس لكن الأهم من ذلك أنها لا تقبل المصالحة أو التعايش”
“و بعد كل ما قرأناه و سمعناه و لمسناه من تجارب تؤكد كلها أن على الـإنسان أن يطلب سعادته المشروعة ، لكن بشرط ألـا يظلمـ في سعيه إليها أحد ، و بشرط ألـا ينسى دائما أن هناك ارادة عليا تحكمـ هذا الكون و توزع الـأقدار ، فلـا يبالغ أحد كثيرا في اتخاذ الـاحتياطات ضد الزمن ، أو في الـاعتماد على الحسابات المجردة وحدها ، لـأن الله في النهاية يمنح من يشاء و يقدر ، و يحرمـ من يشاء و هو على كل شيء قدير ...”
“و لكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعاً و نتصرف على أساسه . إن هناك نظاماًَ محكماً و قانوناً عادلاً .و نحن نطالب أنفسنا و نطالب غيرنا فطريّاً و غريزيّاً بهذا العدل .و تحترق صدورنا إذا لم يتحقق العدل .و نحارب لنرسي دعائم ذلك العدل .و هذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لا شك فيها .. لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا و ضمائرنا طول الوقت .و إذا كنا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة و لأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة .”
“إذا نظرت إلى أي عمل على أنه تجربة غنيةو خصصت له كل ما تملك من طاقاتفـسوف أن تجد أن هذا العمل يحقق لك كثيراً من الرضا النفسي و السعادةو إذا نظرت إلى أي عمل مهما كان العمل على أنه روتينو أنه مفروض عليك و عذاب لا بد من قضائهفـسوف يصبح هذا العمل مملاً كائناً ما كان و أنا اعتقد أن هذا القانون يسري على كل شيء في الحياةالأعمال لا تختلف ، و لكن البشر يختلفونتجد العمل نفسه يؤديه انسان بنفس سمحة و بـوجه طلقو بأسارير متهللة ، و يحصل من هذا العمل على كثير من الرضابينما غيره لا يحصل على شيء لأنه يأتيه بعقلية مختلفةيأتيه بعقلية الأخذ !”
“و تعلّم المسلمون من هذا أن تقرير ما قُرر أو تبديل ما بُدّل إنما يتبع في الإسلام منهجاً مزدوجاً من تشريع و توجيه: فلو اقتصر الأمر على التشريع وحده لما ظهرت الحكمة في تقرير أشياء و تغيير أشياء، و لو اقتصر الأمر على التوجيه وحده لعاشت الأمة الإسلامية بقلوبها و نياتها عالةً على الشرائع الماضية، و التقاليد الخالية، و لكن الإسلام جمع و نسّق، و اختار و هذب، و جعل شريعة السماء تلتقي مع مدارك الإنسان (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، و لكن أكثر الناس لا يعلمون.)”