“المجتمع الذي يعيش بروح الجهاد، و يستعد له لا يمكن أن ينقسم على نفسه، لا يمكن أن تمزقه أحقاد طبقية أو انانيات فردية، فليس أقوى من وحدة الدم.هذا المجتمع، يستحيل على أي قوة داخلية أن تستبد به، هو أيضا، في عملية نمو حضارية دائمة، بسبب روح الجهاد التي تسيطر عليه و التي تحتم عليه أن يكون متفوقا حضاريا، بكل ما يعنيه التفوق الحضاري تكنولوجيا و اجتماعيا.هذا المجتمع "المجاهد" القوي، المتفوق، قد يخلق بين أفراده اغراء بالتوسع. فان القزة تغري دائما باستخدامها، و القدرة تخلق امكانية استغلالها.لذلك كان هذا التحديد القاطع لطبيعة الجهاد بانه ما كان إلا في سبيل الله و لأعلاء كلمته. فالمسلم يعلم ان القتال لأي هدف، الا لاعلاء كلمةالله، فهو قتال من أجل ما استهدفه، و ليس جهادا و لا يثاب المسلم عليه ثواب المجاهدين”
“لكنّ الشيء الأساسي الذي لا مراء فيه هو أن الحاكم المسلم – بأي لقب سمّى نفسه أو سماه الناس – لا يستطيع، و لا يؤذن له، أن يتحرر من سلطان الدين الذي يدين به هو و المجتمع الذي بايعه رئيساً عليه، ليس لأن الحكومة في هذا الدين (تيوقراطية)، إمامُها خليفة الله على الأرض يستر إرادته المستبدة وراء عصمته المزعومة، و لكن لأن عقيدة مجتمعه دين يجمع في آن واحد بين طرفي الدنيا و الآخرية في وحدة مثالية كبرى لا تقبل التجزئة و التحليل.”
“إنه لا جدوى من المحاولات الجزئية حين يفسد المجتمع كله و حين تطغى الجاهلية و حين يقوم المجتمع على غير منهج الله و حين يتخذ له شريعة غير سريعة الله، فينبغي حينئذ أن تبدأ المحاولة من الأساس و أن تنبت من الجذور و أن يكون الجهد و الجهاد لتقرير سلطان الله في الأرض.. و حين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شيئا يرتكن إلى أساس”
“و من الواجب على المسلم أن يقتصد في مطالب نفسه حتى لا تستنفد ماله كله, فان عليه أن يشرك غيره فيما اتاه الله من فضله, و أن يجعل في ثروته متسعا يسعف به المنكوبين و يريح المتعبين”
“و هنا مسألة مهمة يلزم التنبيه عليها و هي الفرق بين الوصف و بين التعيين، ففرق أن نقول: إن العلمانية كذا، و أن القول بكذا و كذا علمانية، و بين أن نقول إن فلاناً علماني فينبغي أن نفرق فقد يكون هذا الشخص قاله جاهلاً و قد يكون غرر به، و قد يكون أخذ بقول شاذ و أنت لا تعرفه و هكذا. لكن من علم عنه أمر مع وجود الشروط و انتفاء الموانع حكم عليه بما يستحقه شرعاً من ردة أو غيرها. ثم ينبغي التنبيه إلى أن بعض المسلمين قد يفعل بسبب غفلته أو بسبب جشع مادي أو حتى بحسن قصد بعض ما يفعله أو يريده العلمانيون، و قد يفعل ما يخدم أهدافهم؛ فهذا الشخص لا يعد منهم - أي لا يقول عنه: علماني - و مع ذلك لا بد من التحذير من عمله، و لا بد من بيان خطئه و خطره، و لا بد من نصحه و رده عن ما هو عليه.”
“نظروا عن قرب و سوف تدركون أن لفظ الحرية هو لفظ فارغ من المعنى، فليس هناك و لا يمكن أن توجد كائنات حرة. فنحن لا نوجد سوى بالطريقة التي توافق النظام العام، أي توافق التنظيم و التربية، و توافق سلسلة الأحداث. هذا ما يتحكم فينا بشكل لا يقهر. إننا لا نتصور كيف يمكن لكائن ما أن يتصرف بدون دافع، و كيف يمكن لإبرة الميزان أن تتحرك دون تأثير الوزن. إن المؤثر يوجد دوما في الخارج و غريب عنا، فهو يرتبط بسبب أو بآخر لا يتعلق بنا في كل الأحوال. إن ما يخدعنا هو التنوع المدهش لأفعالنا التي تنضاف إلى العادة التي ألفناها من خلال خلطنا بين ما هو إرادي و ما هو حر، طالما تعلقنا بحكم سابق و قديم و امتدحناه مرارا، ألا و هو الاعتقاد بأننا نريد و نسلك بطريقة حرة، سواء تعلق الأمر بنا أو بالآخرين.”