“كان النيل نهرا من أغرب أنهار الدنيا...ينحدر من تلال أفريقيا البعيدة، مهيبا كملك، لا يأبه بالغابات الكثيفة، ولا بحرقة الصحراء الممتدة...ويمضي متفردا مثل شاعر حزين وسط مجاهل الصحراء...لا يهدأ ولا يأخذ سمة الوقار و العبوس إلا عندما يلمح رؤوس النخيل في جنوبي وادي مصر، أقدم نخيل عرفه بشر، يقف مزهوا على ضفاف النهر منذ آماد بعيدة، غرسه الفراعنة و شذبه الأقباط و أكل من بلحه جنود الرومان و عرف الفاتحون العرب أسرار فسائله فنشروها...ترتفع القواديس إلى أعلى حاملة دفقات سحرية من مياه النهر، ثم تلقي بها إلى القنوات التي تتفرع و تتفرع على وجه الأرض كشرايين الجسد، في وقت الفيضان تكون حمراء كالدم، و الأرض سوداء كالمسك، والزرع أخضر كالياقوت، و القمح اصفر كأحجار اليشب...و يصعد النخل كأذرع الآلهة القديمة، جذوره في رطوبة الطمي، بينما رأسه في وهج السماء...وتنفرط عقود الحمائم كي تملأ عيونها من مشهد المياه الزمردية قبل أن تؤوب إلى أعشاشها في كل مساء"،”
“الموضوع نفسي محض، قاعدته الحب، و أستغفر الله،الحب الشريف الزوجي لا غيره..و الحب سر من أسرار الغيب المعجز، تنبني عليه دعامة الإنسانية من طرف و تنهدم من طرف أخر، و هو قوام العمران في الاجتماع العالمي،من زوجين، و أخوين، إلى رفيقين، إلى أمتين، إلى قارتين و عالمين ..حتى إلى السماء و الأرض”
“إن الإنسان عندما يرتفع عن سطح الأرض تتغير الأشكال و الأحجام في عينه, و تكون نظرته إلى ما دونه أوسع مدى و أرحل أفقاًو هو هو لم يتغيركذلك إرتفاع الإنسان في مدارج الارتقاء الثقافي و الكمال الخلقيإنه يغير كثيراً من أفكاره و أحاسيسهو يبدل أحكامه على كثير من الأشخاص و الأشياءو المرء في طور الصبا غيره في طور الرجوله, و هو في طور الشباب غيره في طور الكهولهو نحن نسطيع أن نصنع من انفسنا مُثلاً رائعه إذا أردناو سبيلنا إلى ذلك تجديد أفكارنا و مشاعرنا, كما تجدد الرقعه من الصحراء إذا انضاف إليها مقدار ضخم من المصبات و المياهإننا نتحول أشخاصاً آخرين كما تتحول هذه الصحراء القاحله روضة غنّاء”
“(فاعبده و اصطبر لعبادته).. اعبده و اصطبر على تكاليف العبادة. و هي تكاليف الارتقاء إلى أفق المثول بين يدي المعبود، و الثبات في هذا المرتقى العالي. اعبده و احشد نفسك و عبئ طاقتك للقاء و التلقي في ذلك الأفق العلوي.. إنها مشقة. مشقة التجمع والاحتشاد و التجرد من كل شاغل، و من كل هاتف و من كل التفات.. و إنها مع المشقة للذة لا يعرفها إلا من ذاق. و لكنها لا تنال إلا بتلك المشقة، و إلا بالتجرد لها، و الاستغراق فيها، و التحفز لها بكل جارحة و خالجة. فهي لا تفشي سرها و لا تمنح عطرها إلا لمن يتجرد لها، و يفتح منافذ حسه و قلبه جميعاً.)فاعبده و اصطبر لعبادته).. و العبادة في الإسلام ليست مجرد الشعائر. إنما هي كل نشاط: كل حركة. كل خالجة. كل نية. كل اتجاه. و إنها لمشقة أن يتجه الإنسان في هذا كله إلى الله وحده دون سواه. مشقة تحتاج إلى الاصطبار. ليتوجه القلب في كل نشاط من نشاط الأرض إلى السماء. خالصاً من أوشاب الأرض و أوهاق الضرورات، و شهوات النفس، و مواضعات الحياة.إنه منهج حياة كامل، يعيش الإنسان وفقه، و هو يستشعر في كل صغيرة و كبيرة طوال الحياة أنه يتعبد الله؛ فيرتفع في نشاطه كله إلى أفق العبادة الطاهر الوضيء. و إنه لمنهج يحتاج إلى الصبر و الجهد و المعاناة.”
“و احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب و آلاف الليالي من الخلوة و التأمل و الحوار مع النفس و إعادة النظر قم إعادة النظر في إعادة النظر .. ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله و الإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين .”
“ألم أرَ في منامي كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهري لها طرف في السماء و طرف في الأرض، و طرف في المشرق و طرف في المغرب، ثم كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، و إذا أهل المشرق و المغرب و كأنهم يتعلقون بها و يحمدونها...فلنسمِ المولود محمداً”