“في شارع مدحت باشا, على بعد أمتار قليلة من شارع الصيداني, يركض أحمد السنبك. وجد السنبك فوق تلة من النفايات لباسًا عسكريًا مرميًا ومجعلكًا.التقطه, لبس البنطلون الكاكي فوق بنطلونه الأزرق, ولبس القميص العسكري الأخضر فوق قميصه الأخضر. خلع حذاءه البنيّ, ولبس البوط المطاطي الأسود, وضع طنجرة على رأسه وصار يركض في الشوارع.كان أحمد السنبك يتلفّت يمينًا وشمالًا, ويضحك فتظهر أسنانه الصفراء المكسورة, ويركض في الشوارع. انحنى, التقط قطعة من الخشب, وضعها تحت ابطه كأنها بندقية رشاشة, صوبها بإتجاه الشارع وبدأ يطلق النار. صار يركض ويرّش بها محدثًا صوتًا صاخبًا من شفتيه. يقفز فوق النفايات, وبرك المياه الصغيرة التي تجمعت في حفر الشوارع, يقفز يسقط على الأرض, ينهض ويتابع معركته.على مدخل شارع الصيداني أصيل أحمد السنبك بخمس طلقات. نزف الدم من ظهره, لكنه تابع الركض. أليس التي كانت تقف أمام جثة غاندي الصغير المنتفخة بالماء, تروي أنه تابع الركض كأنه لم يصب. كان يركض وحنفية الدم تتدفّق من ظهره وهو لا يلتفت إلى الوراء . ركضه يتباطأ, صار يمشي وهو يركض, ثم سقط كأنه يمثّل, وقع على ركبتيه وسقط رأسه إلى الخلف, وارتفع صراخ الله أكبر.أبو سعيد المنلا هو الذي صرخ. خرج إلى الشرفة وصرخ الله أكبر. كان صوته عاليًا ومبحوحًا كأنه حشرجة. وارتفع صراخ الله أكبر من المآذن والشرفات. فجأة صارت المدينة المهجورة المدمّرة , تصرخ من مآذنها بصوت واحد. الجنود الاسرائيليون الذين كانوا يحتلّون الشارع ويطلقون النار على كل شيء, صوّبوا بنادقهم باتجاه شرفة أبو سعيد وأطلقوا التار على كل شيء, صوبوا بنادقهم باتجاه غرفة أبو سعيد, وأطلقوا.أصيب أبو سعيد, صار الدم يخرج من صدره, كأنه نافورة, سقط على أرض الشرفة متخبّطًا, وارتفعت أصوات الله أكبر من كل المآذن. سمع الجنود, أطلقوا النار ثم سكتت بنادقهم.فجأة بدأوا يتراجعون كالخائفين. انحنوا أمام الشرفات, واستندت أجسادهم المتعبة على الحيطان, وقرفصوا أرضًا. وأحمد السنبك بقي في مكانه راكعًا, ورأسه مرميّ إلى الخلف كأنه يصلّي.”