“العقل نوعان: عقل مجرد مستقل، وعقل مستنير مسترشد، فالعقل المجرد ذاتي التفكير، مستقل في إصدار أحكامه، لا دليل له على صدق فروضه إلا ما كان صادراً منه، ولا حجة له في قضاياه إلا مقاييسه، ولا سند له في براهينه إلا ذاته، فهو الدعوى والحجة، وهو الحَكم والخصم، وهو انطلاق بلا نهاية، وتحليق بلا حدود، وما توصل إلى قضية إلا لينبعث منها إلى أخرى غيرها، وأورد على اللاحقة ما أورده على السابقة. وهكذا يسير في متاهات من السفسطة والجدل، ترجع على بعضها في النهاية بالهدم والإبطال، وتتردد بين الشك واليقين، فينقلب استقلاله إلى ضلال.”
“وإن النميمة لطبع يدل على نتن الأصل ورداءة الفرع وفساد الطبع وخبث النشأة، ولا بد لصاحبه من الكذب والنميمة فرع من فروع الكذب ونوع من أنواعه، وكل نمام كذاب، وما أحببت كذاباً قط، وإني لأسامح في إخاء كل ذي عيب وإن كان عظيماً، وأكل أمره إلى خالقه عز وجل، وآخذ ما ظهر من أخلاقه، حاشى من أعلمه يكذب فهو عندي ماح لكل محاسنه، ومعف على جميع خصاله، ومذهب كل ما فيه، فما أرجو عنده خيراً أصلاً، وذلك لأن كل ذنب فهو يتوب عنه صاحبه وكل ذام فقد يمكن الاستتار به والتوبة منه، حاشى الكذب فلا سبيل إلى الرجعة عنه ولا إلى كتمانه حيث كان. وما رأيت قط ولا أخبرني مز رأى كذاباً ترك الكذب ولم يعد إليه، ولا بدأت قط بقطيعة ذي معرفة إلا أن أطلع له على الكذب، فحينئذ أكون أنا القاصد إلى مجانبته والمتعرض لمتاركته، وهي سمة ما رأيتها قط في أحد إلا وهو مزنون في نفسه إليه بشق، مغموز عليه لعاهة سوء في ذاته. نعوذ بالله من الخذلان.”
“وما الذي يجعل قلوبَ الأطفال منحازةً أبدًا إلى المرح والانطلاق والطبيعة؟ ألأنهم وُلِدوا في حدائق الفطرة الأولى، فهم لا يريدون الحياةَ إلا أزهارًا؟ ولا يطيقون العمر إلا ربيعًا، ولا يبدؤون يومهم إلا في آفاق الشمس، ولا يختمونه إلا على راحة القمر؟!”
“ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهفت البلوغ قبل العشرين إلى الآن - وقد أناف السن على الخمسين- أقتحم لجة هذا البحر العميق وأخوض غمرته خوض الجسور لا خوض الجبان الحذور ، وأتوغل في كل مظلمة وأتجهم على كل مشكلة وأقتحم كل ورطة وأتفحص عقيدة كل فرقة وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة ،ﻷميز بين محق ومبطل ، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيا إلا وأحب أن أطلع على بطانته ولا ظاهرا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ولا فلسفيا إلا أقصد الوقوف على كنه فلسفته ولا متكلما إلا وأجتهد في الإطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفيا إلا وأحرص على العثور على سر صفوته ولا متعبدا إلا وأرصد ما يرجع إليه حاصل عبادته ولا زنديقا متعطلا إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته ز وقد كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري غريزة وفطرة من الله”
“وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بإنه لا خالق إلًا الله وان الله رب كل شئ ومليكه, كما كان عبًاد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون, بل التوحيد يتضمن من محبة الله والخضوع له والذل له, وكمان الإنقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهه الاعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض, وهو واحد سبحانه في ألوهيته.فلا يستحق العبادة إلًا هو ولا يجوز التوجه بخوف أو رجاء إلا إليه, لا خشية إلا منه, ولا ذل إلا إليه, ولا طمع إلا في رحمته, ولا اعتماد إلا عليه ولا انقياد إلا لحكمه.”
“والله ما كرهتم الفتونة إلا لأنها كانت عليكم، وما أن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان، وما للشياطين المستترة في أعماقكم إلا الضرب بلا رحمة ولا هوادة، فإما النظام وإما الهلاك.”