“إن المسلمين اعتبروا الهجرة بداية تاريخهم في الحياة , ولم يعدوا ميلاد نبيهم ولا مبعثة مبدأ لذلك التاريخ الحافل البعيد ولم يكن هذا التصرف إلا فقهاً منهم في دينهم , وبصراً نافذاً في معرفة حقيقته وتقديس روحه, فالهجرة - سفراً من مكة إلى المدينة - حادث لا يذكر ولا يقدر .فكم في الدنيا من أسفار أطول أمداً وأبعد شقة من هذا السفر القاصد .إنما روعة الهجرة أنها عقيدة وتصحية وفداء وكفاح , وإصرار غريب على مغاضبة الدنيا الثائرة الحاقدة ! والتذرع بالوسائل التي في مقدورالبشر مغالبتها , فإما موت كريم و إما نصر كريم .هذه الحفنة من المؤمنين الأبطال , هم الذين أعطوا الهجرة بأعمالهم الخالدة روح الخلود , وعلموا الحياة كيف ترجع المبادئ بكل ما توزن به من مآرب أو متاعب , وكيف تتخطى كل ما يعوقها من صعاب .{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}ولو أدرك المسلمون من التأريخ بالهجرة هذا المعنى السامي , ما اضطربت أحوالهم هذا الاضطراب المؤسف , فلا هم الذين حرصوا على الحياة في أية بقعة من بقاع الأرض , ولا هم ماتوا دون أن ينال أعداؤهم منهم ما نالوا : {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً}”
“الوحيدون في هذه الدنيا الذين يتحملون ثقل الحياة ..هم الذين يواجهونها بمزيد من الغباء واللامبالاة!”
“القلة هم الذين يصنعون المجد للأوطان ...فإما أن تكون من هذه القلة العاملة ، أو تكون من الأكثرية التي تكتفي بالمشاهدة في مسرح الحياة .”
“لا يمكنني التصديق أن الذين غيروا شيئاً في كيان هذا الكوكب و أهله أجمعين , أو على الأقل في أمةٍ من الأمم الكبرى , أنهم فعلوا ذلك بمحض الصدفة و الأقدر , ولا أصدق أنهم لم يكونوا يطمحون إلى ما سيفعلونه و إلى ما بلغوه , مذ كانت تغفو أعينهم و هم في حجور أمهاتهم , فيرون شيئاً ما ..”
“قمة ما يعاقب الله به عباده جراء ذنوبهم ، أن يمنحهم أشياء يراها غيرهم مميزات ولا يعلم كم هي مؤلمة إلا المـُـبتَّلى بها ، فلا هم نالوا الراحة من مميزاتها ، ولا هم من أقربائهم نالوا المواساة ، فقط من غيرهم الحسد ، حتي في الحزن والألم”
“على المرء أن يتعود على الإكتفاء بأقل قدرٍ ممكن ، فكلما قل ما يُريده رضي بالقليل و قلت حاجته ، و أصبح في حالٍ أفضل . هذا ما تفعله المدينة بك ؛ إنها تقلب أفكارك رأساً على عقب ، تجعلك ترغب بالحياة ، و في الوقت نفسه تحاول أن تنزع منك الحياة ، ولا مفر من هذا .فإما أن تفعل أو لا تفعل . و إذا فعلت ، لن تستطيع أن تتأكد من قدرتك على القيام به في المرة التالية . و إذا لم تفعل ، فلن تفعل أبداً .”