“والحق أن المتأمل في الحالة الراهنة للأمة الإسلامية يجدها عظيمة الشر. فهي من الجانب العملي قد اضطرتها الأحوال المتغيرة إلى أخذ قوانينها الأجنبية في شتى شؤونها المدنية والتجارية والجنائية، ولم تحاول في تقنين هذه القوانين أن تستمدها من المصادر الفقهية الإسلامية. بل إنها اضطرت إلى الخروج على كثير من الأحكام وتقييد عدد من الإباحات التي وضعتها مصادر التشريع السابقة. لكنها من الجانب النظري لا تزال تعتقد بلزوم تلك الأحكام والإباحات، لأن مفكريها لم يجرءوا بعد على المواجهة الجذرية التي شرحناها. فهي تحقد على الظروف الجديدة التي اضطرتها إلى وقف التشريعات القديمة وتحلم بالعودة إليها وإلى الأوضاع الماضية التي كانت تطبقها. وهي في معظم أقطارها- ما عدا أشدها اختلافا -لا توقع حد السرقة مثلاً، ولا تستبقي حق الاسترقاق. وفي بعض أقطارها قد قيدت حق الملكية، وفي بعضها قيدت حق الطلاق، وفي بعضها قيدت حق تعدد الزوجات أو ألغته إلغاء تاماً، لكنها في كل هذه الأقطار المختلفة لم تقتنع بعد بأن ما فعلته لا ينافي الدين، فهي معذبة حانقة، متناقضة متفسخة، يخالف واقعها مثالها ويعارض سلوكها عقيدتها، وما أشنعها من حالة تعيشها أمة من الأمم!”