“بإنهيار النظام القومي الذي شكل المحاولة الأخيرة للحم عناصر المجموعة العربية وإعطائها صيغة سياسية وأهدافًا اجتماعية وتاريخية مقبولة للمارسة والعمل، عدنا إلى عصر الأزمة المفتوحة، وعندما نقول ازمة مفتوحة فنحن نقصد، إنهيار التوازنات الإجتماعية والإقليمية التي خلقها وضمنها النظام القومي، وانفتاح الصرع من جديد بين مختلف مكوّنات الجماعة العربية : الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والطائفية، على مصراعه، من اجل اعادة توزيع عناصر الثروة والمواقع السياسية والاجتماعية، وتكوين الفكرة أو الإيديولوجية التي تكرس هذا التوزيع، وهو يعني إذن انحلال روابط التضامن الداخلي والإقليمي، وانفلات القوى دون ضابط وتنافرها، وذبول القيم والمبادئ القومية واستخدامها السوقي لغايات الصراع الفئوي، والجنوح نحو سياسات الإنكفاء على الذات وخدمة المصالح الأنانية، أي زوال العام وصعود الخاص إلى مقدمة المسرح الإجتماعي.”

برهان غليون

Explore This Quote Further

Quote by برهان غليون: “بإنهيار النظام القومي الذي شكل المحاولة الأخيرة … - Image 1

Similar quotes

“الجماعة تتكون من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة ومتعارضة بالضرورة والا لما كان هناك حاجة لا للسياسة ولا الثقافة. وبقدر ما تستطيع الجماعة ان تجد حلولا للتناقضات التي تختمر في حجرها, تستطيع ان تقيم وحدتها السياسية والثقافية. لكن هذه الحلول ليست متماثلة دائما. فيمكن لوحدة الجماعة ان تستند الى غلبة فئة على الفئات الاخرى. واكثر الاشكال تجسيدا لذلك هو الحكم الاجنبي. وآلية الاستعمار الاجنبي والاستعمار الداخلي واحدة في الحقيقة. الا ان هذه الوحدة المفروضة بالغلبة لا تستطيع ان تقاوم المعارضة الداخلية الى ما لا نهاية, واذا حدث ونجحت في مقاومتها هذه فرضت على الجماعة التقهقر الكامل والفناء. والجماعة التي تستطيع ان تقيم وحدتها على اجماع قومي يعكس قبول الاغلبية للسلطة القائمة وانتمائها الطوعي للقيم الثقافية السائدة هي التي تتحول الى امة, حيث تتوثق وتتعمق روابط الجماعة السياسية والثقافية ويتغلب عامل التضامن والتكاتف الداخلي على عامل التفرقة والانقسام والمواجهة. وجوهر هذا الاجماع ثقافيا كان ام سياسيا هو اشراك الاغلبية في السلطة, اي في صياغة القرارات التي تتعلق بمصلحة الجماعة ككل. ويزول الاجماع بزوال المشاركة وبظهور الاستبعاد الثقافي او السياسي. ونوع هذا الاستبعاد للفئات المكونة للجماعة هو الذي يحدد شكل الاستبعاد القائم.”


“لا تكون الجماعة الا بالعصبية اي بشعور التضامن والتلاحم الجماعي تجاه الجماعات الاخرى. وهذا اساس سلوكها على الساحة الدولية كجماعة متميزة ومستقلة ذات ارادة واحدة ومصالح مشتركة. وتكوين الجماعة لا يقوم على زرع روح العصبية ولكنه يقوم على اسس موضوعية سياسية واقتصادية هي التي تولد الشعور بالتضامن والعصبية التي تصبح هي ذاتها درعا نفسيا يصون وحدة الجماعة واستمرارها.”


“الاستبداد يفضي إلي تخلف العقل، وتخلف العقل يؤدي إلى تخلف التربية وتخلف التربية يؤدي إلي نقد التراث والدين. وهكذا نظل ندور في حلقة مفرغة منتقلين من المشاكل الثقافية إلى المشاكل السياسية والاجتماعية والتاريخية دون أن نستطيع حسم أي منها.”


“ان مشكلة الاقليات هي بالدرجة الاولى مشكلة الاغلبية.اي مشكلة المجتمع العام ذاته. وليست المسالة الاساسية التي تستحق النقاش هنا هي مسألة توجه الاقليات الدينية العربية الى التمايز وتكوين طوائف مستقلة تطمح الى الحفاظ على ذاتيتها. فهذا هو الطابع التاريخي والمنطقي لوجود كل اقلية اجتماعية والا فقدت كونها اقلية ولم يعد هناك اية مشكلة. اذا كنا نعترف ان هناك اقليات فلأننا نعترف ان هناك داخل الجماعة الكبرى جماعات لها فعلا تقاليد متميزة نسبيا عن الجماعة الكبرى وليس لنا ان نطالبها بالتخلي عن هذا التمايز الثقافي دون ان نلغي حقنا في ان يكون لدينا ذاتية ثقافية. لا نستطيع اذن ان نلغي التاريخ بالايمان بضرورة قومية او سياسية ولكننا نستطيع ان نفهم كيف يقود التاريخ الى تكوين الحقيقة القومية السياسية.”


“ومن مظاهر هذه الأزمة أن الكلام الدائم عن التقدم والتحرر والتمدن والتنمية قد اختفى ليحل محله وصف لا ينتهي للتخلف وآلياته، وللسقوط والإخفق وتبعاته. فقط اصبح من البديهي اليوم الحديث في الاوساط المثقفة والعامة عن اجهاض مشروع النهضة العربية التي حلم بها رجال القرن التاسع عشر وعملوا من أجلها. وارتبط هذا الحديث بميل عارم إلى المراجعة والنقد الذاتي، والى اعادة النظر بالمفاهيم والنظم والعقائديات التي سادت في الحقبة الماضية. فتقويم الاطار النظري العام وفحص المسائل بدقة واعادة تحليل الواقع وفهمه فهمًا جديدًا هي من الشروط الاولية لتصحيح المسار، وجعل الممارسة الاجتماعية ممكنة بعد تردد والنشاط والمبادرة الانسانية مقبولة بعد توقف وتوجس.”


“يغطي مفهوم الامة الخلط بين الاجماع القومي الحقيقي وبين الوحدة الاصطناعية المفروضة بالقوة ويجعل من المستحيل فهم تطور الامم والحضارات. وهو مفهوم ايديولوجي. اما المفهوم الاصيل فهو مفهوم الجماعة. ودراسة وتحليل تطور علاقات الجماعة الداخلية من جهة ونشوء الدولة والمجتمع المدني منها من جهة اخرى هي التي تستطيع ان تظهر كيف تتحول الجماعة الى امة او تبقى مجموعة من العصبويات المتجاورة والمتعادية.”