“ليس المقصود وليس الحتمي ان تسير جميع المجتمعات الغربية ابدا. ولا تبدأ المشكلة الا عندما نعتقد ان هناك خطا واحدا للتاريخ يسير بالجماعات من العبودية الى الاقطاع الى الرأسمالية الى العقلانية الى الحرية والى الديمقراطية والقومية, ونفرض على انفسنا خطط المسيرة الاوروبية ذاتها فنفشل حتما ليس فقط في الوصول اليها ولكن ايضا في الوصول الى اجماع قومي والى وحدة قومية من اي نوع كان.”
“لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري.”
“تتطلب المشاركة الفعلية في السلطة رفض فكرة التماثل الثقافي الذي يقود بالضرورة الى تدمير قاعدة الديمقراطية. كما تتطلب ايضا رفض فكرة التماثل السياسي الذي يعني مصادرة المصالح المتميزة للجماعة واذابتها في مصلحة واحدة وهمية يعكسها تنظيم مصطنع واحد. وهذا لا يعني ان ليس هناك اليوم وسيلة للاجماع القومي الا بعقيدة دينية جامعة او بتمثيلية ليبرالية غريبة, ولكن المهم في الموضوع هو امكانية وصول الجماعة الى اجماع قومي يحفظ مساهمة كل الافراد في بناء السلطة المركزية التي سيخضعون لها.”
“ان اطروحة هذا الكتاب هي ان الحرية لها معنيان بالنسبة للانسان الحديث: لقد تحرر من السلطات التقليدية واصبح "فردا", لكنه في الوقت نفسه اصبح منعزلا عاجزا وأداة للاغراض القائمة خارجه وانه اغترب عن نفسه وعن الآخرين. زيادة على ذلك, ان هذه الحالة تقوّض نفسه وتضعفه وترعبه, وتجعله مستعدا للخضوع لانواع جديدة من القيد. اما الحرية الايجابية من جهة اخرى فهي متطابقة مع التحقق الكامل لامكانيات الفرد مع قدرته على ان يحيا بشكل ايجابي وتلقائي. لقد وصلت الحرية الى نقطة حرجة عندها -وهي مدفوعة بمنطق ديناميتها- تهدد بالتغير الى نقيضها. ان مستقبل الديمقراطية انما يتوقف على تحقق النزعة الفردية التي ظلت الهدف الايديولوجي للفكر الحديث منذ عصر النهضة. ان الازمة الحضارية والسياسية في ايامنا هذه لا ترجع الى ان هناك افراطا في النزعة الفردية بل ترجع الى ان ما نعتقد انه نزعة فردية قد اصبح قوقعة فارغة.ان انتصار الحرية ليس ممكنا الا اذا تطورت الديمقراطية الى مجتمع فيه يكون نمو وسعادة الفرد هما هدف وغرض الحضارة, وفيه لا تحتاج الحياة الى تبرير للنجاح او اي شيء آخر, وفيه لا يكون الفرد تابعا ومُستغلا من جانب اية قوة خارجه سواء كانت الدولة او الجهاز الاقتصادي, واخيرا مجتمع لا تكون فيه المثل والضمير التبطّن للمطالب الخارجية, بل تكون حقا مثله وضميره "هو" وتعبر عن الاهداف النابعة من تفردية نفسه.وهذه الاهداف لم تتحقق تماما في اي فترة سابقة من التاريخ الحديث, وهي يجب ان تظل الى حد كبير الاهداف الايديولوجية, وذلك لان الاساس المادي لتطور النزعة الفردية الاصيلة ناقص. لقد خلقت الرأسمالية هذه المقدمة, وحلّت مشكلة الانتاج -من ناحية المبدأ على الأقل- ونحن نستطيع ان نتخيل مستقبلا للوفرة لا يعود فيه النضال من اجل الامتيازات الاقتصادية مدفوعا بالندرة الاقتصادية. ان المشكلة المواجهين بها اليوم هي مشكلة تنظيم القوى الاجتماعية والاقتصادية حتى يمكن للانسان -كعضو في مجتمع منظم- ان يصبح سيد تلك القوى ويكف عن ان يكون عبدا لها.”
“الثورة عندما لانكون في حاجة الى ان نستورد حتى اكلنا من الخارج.... الثورة عندما يصل المواطن الى مستوى الالة التي يسيرها”
“ليس هناك في العالم كله اليوم انظمة اكثر دهرية في الممارسة والعقيدة من الانظمة العربية. فليس هناك نظام يعتبر ان هدفه هو رفعة الاسلام, او حتى اليوم رفعة العروبة, وفرض الدين الصحيح والقومية الصحيحة ليبرئ ذمته تجاه الله او التاريخ في اليوم الآخر او امام الاجيال القادمة, ويعمل على هذا الاساس, بما في ذلك الدول التي تعتبر الاسلام قانونها.لكن الدهرية المدفوعة الى اقصاها بقدر ما يزداد فقدانها للفلسفة الانسانوية التي تعمل فيها كمحرك مثالي واخلاقي يحل محل المحرك الديني, تزداد خسة وضعة وتتحول من فلسفة بناءة للحرية والجماعة الى فلسفة للانتهازية والوصولية والانتفاع والفساد والانحلال والاستسلام للاهواء. وليس بين الدنيوي والدني الا خطوة واحدة. وهذه الخطوة ذات نتائج كبيرة. فبسبب النضالات العنيدة في سبيل الحرية والمساواة والعدالة اخذت العلمانية شرعيتها كموجه فلسفي للدولة وللامة. لكنها عندما تصبح اضفاء للشرعية على الاستبداد والظلم واللامساواة والانعزال تتحول الى سلطة تقارب العداء للامة والاستفزاز للجماعة. ومع ذلك, وكما انه ليس هناك مخرج علماني ليس هناك ايضا مخرج ديني. وليس هناك مخرج عقلي.”