“الهدر الإنساني حالة تتفاوت من إباحة إراقة الدم في فعل القتل أو التصفيات كحد أقصى ، إلى سحب القيمة والتنكر لها ، مما يجعل الكيان الإنساني يفقد مكانته أو منعته وحرمته.. وقد يتخذ الهدر شكل عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة وحتى الحق بالوعي بالذات والوجود .. قد يكون الهدر مادياً ومعنوياًً أو على مستوى الحقوق إلا أنه يتم على خلفية من الإستباحة*.”
“في حالة العصبيات يُقيد الانتماء ويُحصر ، وبالتالي يُحجر على الانطلاق في المدى الكوني الرحب .يتدهور مفهوم الوطن أو يغيب مادام الوجود والمرجعية تظلان للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو المنطقة . إنها حالة حصار تفرض على الإنسان عضو هذه العصبية . يكمن في هذه الوضعية أحد الأسباب الكبرى التي تحول دون تحوّل الدول الى أوطان بمعنى الكيان والمرجعية الفوقيين اللذين يتجاوزان الانتماءات الضيقة . ويظل الوطن الذي لم يتكوّن رهينة تصارع العصبيات على غرار تصارع القبائل في البادية على الكلأ والماء .على أن الاستبداد حين يصل حد الطغيان ، وحين تحيط المخابرات بالإنسان من كل مكان وتُحصى عليه أنفاسه ، وحين يُعتبر السلطان بأنه مالك للأرض وما عليها ، وبالتالي مَن عليها ، وأن كل غنم يصيب إنسان ما هو مكرمة أو منّة منه ، وأن له حق التصرّف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير والبشر ، يُهدر حق انتماء الإنسان ويُصادر حقه البديهي بالمواطنة . يصبح الإنسان غريبًا في وطنه فاقدًا للسيطرة على مجاله الحيوي وبالتالي محرومًا من الانطلاق الواثق في هذا المجال الى مجالات أرحب ، ومحرومًا من الإنغراس الذي يوفر الثقة القاعدية بالكيان والاحساس بالمنعة . تتحوّل المواطنة من حق أساس إلى منّة أو هبة يمكن أن تُسحب في أي وقت . وبالتالي يُسحب من الانسان الحق في أن يكون ويصير من خلال ممارسة الإرادة والخيار وحق تقرير المصير . إنها كارثة وجودية أخرى تجعل من أي مشاريع تنمية أو إنماء وعمران حديث خرافة . ذلك أن الإنسان المُستلب في وطنه ومجاله الحيوي لا يمكن أن يُعطي ، وبالتالي أن يبني . يقنع في أحسن الأحوال بالتفرُّج السلبي في حالة من الغربة ، كما ينحدر الوجود إلى مستوى الرضى بمكسب مادي يغطي الاحتياجات الاساسية . وقد يستجيب الإنسان لهدر مواطنيته وانتمائه في أن يتصعلك مُتنكرًا لشرعية السلطان وناسه وصولاً إلى التنكر للوطن ذاته في نوع من الهدر المُضاد . إلا أن أشد درجات الهدر المضاد قد تتخذ طابع هدم الهيكل عليه وعلى أعدائه فيما بدأ يشيع من سلوكات تطرف جذري .”
“لا يتقبل الانسان الكارثة أو الهزيمة، أو الخطوب أو الفشل كأمر واقع، ولا يستطيع الاعتراف بمسؤوليته المباشرة في ما حلً به. إنه إما أن يهرب من الواقع أو يلقي اللوم على الآخرين، او يستجيب بالعدوان، او يوهم نفسه بأن الأمر عابر”
“ولا بد هنا من إشارة إلى الهدر الذي تفرضه نُظم التحريم ، والذي يتآزر مع الهدر الذي تُمارسه العصبيات والاستبداد ، وهو الحب المهدور وملفه الكياني الممنوع . العاطفة بما هي أشد وأسعى مُحركات الوجود الإنساني تُصادر وتُمنع . ومعها يُبتر كيان الانسان وتوقُه إلى الوجود النابض بالحيوية ، المُتعطش إلى الامتلاء العاطفي وما يحمله من طمأنينة ذاتية ، تجعل الإنسان يُحس أنه بخير وأن الدنيا وناسها بخير ، وأنه مُتآلف مع هذه الدنيا وناسها . هدر العاطفة يُكمّل ثلاثي هدر العقل والوعي والانتماء . يُصادر الحب كما يُصادر العقل والوعي وبالتالي نكون بصدد كيان سُلبت منه حيويته وحياته : ممنوع أن تكون فكريًا ، محروم أن تكون انتماءً و افتخارًا وثقة وطمأنينة على مستوى الهوية ، ممنوع أن تكون عاطفيًا . وهكذا تُفرض هزيمة كلية كيانية في أوطان مهزومة وحُكام يتربّعون على أنقاض كيانات وطنية . وتسوغ الهزيمة بمبررات شتّى تغذيها جوقة أبواق السُلُطات ، وتُستكمل بهزيمة ذاتية على مستوى العقل والوعي ، كما على مستوى العاطفة والحب وما يُفجرانه من زخم حي . تلك هي إحدى حالات الحِصار الكلي وقمقمة الوجود . ومن هنا تعلق الناس بخفقات الحياة التي يجدونها في شعر بعض الشعراء في الحب والوطنية ، حيث يشعر المرء للحظات بعودة الروح . يُشكل هؤلاء الشعراء صوتًا ناطقًا نيابة عن الناس يصرّ على التعبير عن فرحة التعبير عن الكيان المليء حبًا ووطنية .”
“الجن والعفاريت والشيطان ,كلها كائنات خفية,لعبت دوراً بارزاً في السيطرة على خيال الجماهير المقهورة,وتعليلها للأحداث التي تفلت من سيطرتها والتي يستعصي عليها تفسيرها.كما أنها قد استخدمت, ومازالت,بكثرة لتبرير ما يود الإنسان التستر عليه من فضيحة, أو عيب ,أو تقصير بزعم الوقوع تحت تأثير الجن,مما يساعده على الحفاظ على سمعته .”
“الصراع على المكانة - الحظوة - الغنيمة لايُتاح للجميع. فهناك الذين لاينتمون إلى عصبيةوقبلية,وليس لديهم من مرجعية سوى كفاءتهم وأدائهم , فيتعرض هؤلاء للتهميش والبقاء خارج اللعبة , وبالتالي يتعرضون للعديد من ألوان الهدر لمكانتهم وكفائتهم ومعنوياتهم بشكل واسع الانتشار”
“إن الكثير من التصرفات الاستعراضية التي تشيع في البلدان النامية، تهدف بالتحديد إلى التستر على عقده العار خصوصًا الاستعراض الاستهلاكي. يأتي بعده كل أشكال الإدعاء والتبجّح وخداع الآخرين بجاه أو مال أو حظوة لا أساس لها من الواقع.إن إنسان العالم المتخلف هو أسير المظاهر مهما كانت سطحيها مادامت تخدم غرض التستر على عاره الذاتي.-”