“رفض متكلمو أهل السنة و الجماعة من الأشاعرة و الماتريدية (مثلما رفضت المعتزلة طبعاً) إيمان المقلّد، و أوجبوا معرفة الله بالعقل لا بالشرع، و روى عنهم ابن حزم الظاهري قولهم الصريح: (لا يكون مسلماً إلا من استدل).و غني عن البيان أن المتكلمين ما اتخذوا هذا الموقف إلا تأثراً بالقرآن و استلهاماً لمعانيه، ففيه نداء متواصل إلى اطراح التقليد، و نبذ العقائد المتوارثة عن حقائق هذا الوجود، كقوله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)، و قوله: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم، إن السمع و البصر و الفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا). و لقد بلغ مدى أبعد من ذلك، حين شبه بالأنعام أولئك الذين عطلوا حاسهم و طاقاتهم الفكرية: (لهم قلوب لا يفقهون بها، و لهم أعين لا يبصرون بها، و لهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون.)”
“و أوصى [الإسلامٍ] بالبر و الإحسان بين المواطنين و إن اختلفت عقائدهم و أديانهم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم) الممتحنة. كما أوصى بإنصاف الذميين و حسن معاملتهم: (لهم ما لنا و عليهم ما علينا). نعلم كل هذا فلا ندعو إلا فرقة عنصرية، و لا إلى عصبية طائفية. و لكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا و لا نساوم في سبيلها على عقيدتنا و لا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، و إنما نشتريها بالحق و الإنصاف و العدالة و كفى.”
“إن معجزة القرآن معجزة مفتوحة للأجيال، و ليست كالخوارق المادية التي تنقضي في جيل واحد، و لا يتأثر بها إلا الذين يرونها من ذلك الجيل.و لقد كان به ذكر العرب و مجدهم حين حملوا رسالته فشرقوا بها و غربوا. فلم يكن لهم قبله ذكر، و لم يكن معهم ما يعطونه للبشرية فتعرفه لهم و تذكرهم به. و لقد ظلت البشرية تذكرهم و ترفعهم طالما استمسكوا بهذا الكتاب، و قادوا به البشرية قروناً طويلة، فسعدوا و سعدت بما معهم من ذلك الكتاب. حتى إذا تخلوا عنه تخلت عنهم البشرية, و انحط فيها ذكرهم، و صاروا ذيلاً للقافلة يتخطفهم الناس، و كانوا بكتابهم يتخطف الناس من حولهم و هم آمنون!”
“الذين لا يملكون شيئا ، فالسماء و النجوم و الكواكب و البحار و الأنهار و أرض الله الواسعة ، و كل ما فى الكون من خيرات ملك لهم ، ملكهم حر فسيح لا يحد”
“الذين يسيئون فهم الدين أخطر عليه من الذين ينحرفون عن تعاليمه، أولئك يعصون الله و ينفّرون الناس من الدين و هم يظنون أنهم يتقرّبون إلى الله، و هؤلاء يتبعون شهواتهم و هم يعلمون أنهم يعصون الله ثم ما يلبثون أن يتوبوا إليه و يستغفروه.”
“فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما روي عن النبي -صلى الله عليه و سلم- أنه قال:"من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار" -رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس و أخرجه الترمذي و النسائي-و لقوله -عليه الصلاة و السلام- "من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ" -رواه أبو داود و الترمذي و النسائي-أي لأنه قد تكلّف ما لا علم له به، و سلك غير ما أمر به، لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، و لهذا تحرّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال "أيُّ سماء تظلني، و أي أرض تقلّني، إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".”