“فعلاقة الحب والكراهية التي تربط أوروبا الموحدة بتركيا، الدولة الأوروبية، العلمانية، الإسلامية، في الآن نفسه، باتت ضمانة قوية لاستمرار الحكم المدني في تركيا وتقليم أظافر مؤسستها العسكرية. ولا يمكن إغفال الحكمة والنزاهة والإحساس بالواجب الذي يميز قادة العدالة والتنمية. بل وربما أصبح من الممكن القول إن تركيا العدالة والتنمية قد تصالحت أخيرا مع نفسها.”
“الحقيقة أن العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا سياسيا، لا في برنامجه ولا في خطاب قادته. معادلة حزب غير إسلامي يقوده إسلاميون هي انعكاس للتناقض الذي يحمله بروز جمهورية علمانية معادية للإسلام في مركز الإمبراطورية العثمانية، أطول الدول الإسلامية عمرا، وهي انعكاس للطبيعة المتغيرة وغير المستقرة للقوى الإسلامية السياسية.”
“نستطيع ان نقول اكثر من ذلك ان الدولة - الامة اي الدولة القومية فعلا لا يمكن ان تقوم الا اذا كانت دولة تبني شرعيتها على تحقيقها للمطابقة والتماثل الثقافيين للجنس او للعرق. بل على دعوة اجتماعية قابلة للتحقيق ولتقديم الحلول والوسائل الكفيلة بتنظيم الحياة الاجتماعية وتقدم الجماعة. والدولة القومية التي تربط شرعيتها وتقدم شعبها بمجرد كونها مطابقة في حدودها لحدود التجانس الثقافي او العرقي, تلغي اسس شرعيتها كدولة, اي كمؤسسة سياسية تتجاوز التمايزات الثقافية والجنسية في المجتمع المدني, ولا تقوم الا بهذا التجاوز. والدولة التي تفترض نفسها الانعكاس المباشر للجماعة. او للمجتمع المدني, هي بالضبط الدولة التي تغطي فشلها السياسي بانغلاقها الثقافي, اي تغطي عجزها عن ان تكون سلطة فوق المجتمع المدني بتسمية نفسها دولة الشعب, وبالانخراط في المجتمع المدني نفسه وفي تناقضاته. وذلك بدل الارتفاع الى المستوى الذي يسمح بحل هذه التناقضات وتسويتها.”
“مما جعل الشعب التركي "قابلاً الآن لأن يرى نفسه مرة أخرى في مركز عالم ينهض من حوله، بدلاً من أن يكون في ذيل العالم الأوروبي الذي ما زال مترددًا حول رؤية تركيا جزءاً منه.”
“الحب لا يعطي إلا من نفسه، ولا يأخذ إلا من نفسه .والحب لا يملك، ولا يطيق أن يكون مملوكاً ، وحسب الحب أنه حب .إذا أحب أحدكم فلا يقولن :"إن الله في قلبي" وليقل بالأحرى :"إنني في قلب الله" .ولا يخطرن لكم ببال أن في مستطاعكم توجيه الحب بل إن الحب ، إذا وجدكم مستحقين ، هو الذي يوجهكم .”
“في النظام الرأسمالي الليبرالي - وفي ليبرالية السوق على نحوٍ أخص - لا تعترف الحرية لنفسها بحدود، مثلما أنها لا تريد أن يكون لأحد أبدا يد عليها. والدولة نفسها في الفلسفة الليبرالية السوقية، أي في ما قد يسمى بالليبرالية الجديدة، ترتد إلى أضيق الحدود ولا يُطلب منها أن تتدخل في شؤون الحرية والسوق إلا بصفتها ضامنا قانونيا لقانون السوق، أي لإرادة الشركات العملاقة والقوى الرأسمالية الضخمة التي سيّجت نفسها بقوى الإعلام المرعبة. ما الذي يتبقى للمجتمع والأفراد والدولة؟ وما هو مصير العدالة بوجه خاص في هذا النظام الذي لا يعرف قيما غير قيم اقتصاد السوق؟ إن التناقض بين الديمقراطية وبين العدالة يصبح في المنظومة الديمقراطية حساسا شائكا، وفي أحوال محددة من النماذج الديمقراطية تصبح العدالة كائنا غير مرغوب فيه على الإطلاق، مثلما أن تلك الديمقراطية تصبح وبالا على الحياة البشرية.”