“ما يعرفه المتعبونلأنني وحديإذا استيقظتُ لا أضطر إلى "صباح الخير" أو "لو سمحت"،ولا أُغضِبُ أشباهي إذا تأخرتُ وتلعثمت،ولا أُرغِمُ نفسي على التصفيقِ والتلويحِ وتبادل الضحكات؛لا أرسمُ بسبابتي على شفتيّ المطبقتين صليباً يُسكِتُ طفلاً،لا يقلقني كسلي الذي يستفزُّ كلَّ من يراني،لا يقلقني عجزي عن فراقِ السرير، وتعبي لأنني سأرتدي ثياباً أكرهُها،لأنني وحديباشمئزازي من كلِّ سرٍّأرى الخزيَ الذي يتوّجُ كلَّ عملٍ يخدِّرُني في انتظاري:ابتسامةَ الطبيب وأناقةَ موظف البنك وشتائمَ سائقِ الباص وحِيلَ المراهقات......جئتَ إلى هذا العالم فلا تتوقّعِ الكثير، واهدأ وانتظرْ.كلُّهم مرضى، الجدوى تُحيِّرُ الوجود، وشيخوخةُ المهانين أسرعُ من القتل.هذا هو العالم، ضياؤهُ الحمّى،السجناءُ فيه يقرؤون الفلاسفة ويتقنون لغاتٍ لن يستخدموها،دُعينا إلى وليمتهِفقط لأن الكثيرين اعتذروا أو ماتوا،ولكنّ أشباحهم توافدتْ من كلِّ مكانٍ عشنا فيهوأهانتنا بين الغرباء.فلا تقُلْ: لماذا ناديتُموني حين كنتُ عاجزاً عن النهوض؟ لماذا استثقلتموني واحتقرتموني وأوشكتُم دائماً أن تطردوني؟الشمسُ مجنونة تعلو عارَ نومك وتنحتُ قناعَكَ الذي تعبده؛ العالم ذكيٌّ وأنت نائم، إنه يفاجئك دائماً في كمينٍ تجهلهُ في حربٍ لن تشاركَ فيها، ولا يفوّتُ أيةَ فرصةٍ كي يفزعَك، أنتَ الهلوع بلا سبب، وقبل أن ينسى يُهرعُ كي يهنّئكَ على النجاة، فتستغربُ كيف يخاطبنا الآخرون بأسمائهم حين يُصرَخُ بك: هنيئاً، أنتَ ميتٌ الآن...**العصفورُ الذي رفرفَ عن سلكِ الغسيل تعرّفَ إليّ دون أن يعرفَ اسمي. كانت ساقاه أنحلَ من السلك؛ ضعيفتان و لكنهما تخدمان حياته جيداً. أفزعتهُ بظهوري فأطلقَ الفزعُ جناحيه عالياً. لا فرقَ لديه بين سائر الأشكال التي يُطْلَقُ عليها اسمُ البشر؛ سيانِ أنا أو سواي، فعيناه البراقتان لا تستأمنان أحداً. أما أنا فأكره إني أحرسُ اسمي الذي وُهِبْتهُ كي يأسرَني، أجرَّه ويجرَّني، فالتصقَ بوجهي وصار جزءاً من نبرة صوتي ، أستغربه أحياناً إذا قرأتهُ أو سمعته، أو أضجر منه وأمقته. كالآخرين جميعاً، أمضيتُ وقتاً طويلاً كي أسجنَ نفسي في اسمي، إذ كلُّ امرئ يُدفَنُ حياً في اسمه: قبرٌ من الخوف و المتعة وسوء الفهم.**أُخفي جحيماً و أنا أبتسم: هذا ما أمثّله طوال الوقت، حتى لو كنتُ وحدي.لو قتلتُ حقاً كلَّ ما لا أحبُّهُ لبقيتُ وحيداً وميتاً، ففي شرودي قتلتُ الجميع ثم قتلتُ نفسي .وأنا الآن أمقتُ ما أتذكّرُ في السر، وأحنُّ إلى ما يفزعني. آنذاك كانت تستهويني جرعةُ الحياة الأخيرة في فمِ الهالك وأنا أقول: رعبي يتنفّسُ الهواءَ ذاتَه”
“ما يعرفهُ المتعَبون انظُرْ:الغيمةُ فوق رأسكمثل بطنِ حيوانٍ تحبُّ أن تداعبه،الثلجُ يغطّي في الظلّحجراً وكسرةَ خبز.أتسمعُ الريحَ بين غصونِ الخوخ المزهرة؟هل فهمتني؟إنهُ الصباح،الهواءُ أصفى من عيونناولا أحدَ يتركُ أثراً في مرآة.**ما أفدحَ ضعفي في وحدتي، وما أبشعَ قوتي، حين تستفردُ أوهامي بي.أنا حيّ، وأقربائي يموتون في أرضٍ بعيدة: عمتي العمياء وأختي وأبي. أنا حيّ، ولستُ في الجحيم لأن نسمةً عبرت منذ قليل؛ لستُ معتقلاً، على الأقلّ في الوقتِ الراهن، لكنهم سمحوا لي بالعيشِ في هذه الغرفةِ الصغيرة حيث أواصلُ حياةً لا تهمُّ أحداً، ولا أنطقُ اسمي الذي لا يعني شيئاً...لأنني وحدي. لن يرغمني أحدٌ على تفسيرِ وجودي هنا، عارياً هكذا، دون أيِّ حياء، مثل نطفةٍ ميتة..”
“ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .و أنت القائل :هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .و أنت القائل على لسان نبيك :( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة .أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .”
“أحتاج فقط لأن أمتلىء بالحماس من جديد .. وإن كنت أرفض دائما كلمات التشجيع أو الحماسة الذي يصبها في شخص ما .. أو حديث ما .. أو حدث ما … ليس تقليلا من شأنها .. وإنما لأنني لا أريدها أن تدخل إليّ .. وإنما تخرج مني .. أريد أن أعتمد على ذاتي بشكل مطلق .. أن أتعلم هذا .. لا الوقت بإمكانه أن يجعلني أفضل .. ولا الآخرين .. وحدي من دون أي شيء آخر قادرة على هذا الفعل .. الذي إن فعتله سأستحق بجدارة وقتها أن أكون بحق أفضل .. ـ”
“القبول بأنني لا أنتمي لأحد, و لا لشئ, و لا ثمة شئ ينتمي إليّ, قلل هذا من شأني و جعله مثل شأن شبح ما.هذه يجب أن تكون الوحدة, التي تكلمنا و قرأنا عنها كثيرا دون أن نصل حتي إلي معرفة ماذا كانت أبعادها الأخلاقية. حسنا الوحدة كانت هذا: أن تجد نفسك فجأة في العالم كما لو أنك قد انتهيت لتوك من المجئ من كوكب آخر لا تعرف لماذا طردت منه. سمحوا لك بإحضار شيئين يجب أن تحملهما كلعنة ما حتى تجد مكانًا تصلح فيه حياتك انطلاقًا من تلك الأشياء، والذاكرة المشوشة عن العالم الذي أتيت منه !الوحدة هي عملية بتر غير مرئية ، ولكنها فعالة جدًا” كما لو كانوا ينزعون عنك السمع و البصر, هكذا هو الأمر , في معزل عن كل الحواس الخارجية, و عن كل نقاط الصلة,و فقط مع اللمس و الذاكرة يتوجب عليك أن تعيد بناء العالم, العالم الذي يجب أن تسكنه و الذي يسكنك, ماذا كان في ذلك من أدب و ماذا كان فيه من متعة؟ لماذا كان يعجبنا كثيرا؟”
“وأنا لا أعرف قراءة مثيرة للوجع بالقدر الذي تثيره قراءة شكسبير: كم من الآلام ينبغي على المرء أن يكون قد تحمل كي ما يغدو في حاجة إلى أن يجعل نفسه سخيفاً إلى هذا الحد!-هل نفهم هملت؟ لا ليس الشك، بل اليقين هو الذي يقود إلى الجنون..”
“فى كل العصور كان هناك دائماً من يعتقدون أن ما يعرفونه هم وحدهم هو اليقين الذي لاشك فيه و أن ما يعرفه غيرهم هو الباطل الذي لاشك فيه، و الذي لا يستحق حتى سماعه أو مناقشته ،،،”