“روي عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت انا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر : ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلي الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه (هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ*وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطرابا شديدا وخر مغشيا عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك. قال: ثم مشي وانصرفنا فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت علي الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفت فإذا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إلي فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: نعم، تعلمني مما علمك الله شيئا، فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا، ومن أشفق علي دينه سلم من الردي، ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالي غدا، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم. قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من امر بالمعروف وائتمر ونهي علي المنكر وانتهي، وحافظ علي حدود الله تعالي، ألا أزيدك؟ قلت: بلي، فقال: كن في الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا واصدق الله تعالي في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضي، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي. فانظر إلي سقوطه مغشيا عليه ثم إلي وعظه كيف يدل علي زهده وغاية خوفه! ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا بمعرفة الله عز وجل.”

أبو حامد الغزالي

Explore This Quote Further

Quote by أبو حامد الغزالي: “روي عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت انا وعمر بن… - Image 1

Similar quotes

“روي أن عبد القاهر بن عبد العزيز قال للشافعي يوما: أيما أفضل الصبر أو المحنة أو التمكين؟ فقال الشافعي رحمه الله: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن؛ ألا تري أن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مكنه، وامتحن موسي عليه السلام ثم مكنه، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مكنه، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكا، والتمكين أفضل الدرجات، قال الله عز وجل (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مكن، قال الله تعالي (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ)”


“قال الشافعي رضي الله عنه: ماناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطىء. وقال: ما كلمت أحداً قط إلا احببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالي وحفظ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق علي لساني أو علي لسانه.”


“وقيل للحسين بن علي رضي الله عنهما : إن أبا ذر رضي الله عنه يقول : الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة . فقال : رحم الله أبا ذر . أما أنا ، فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له .”


“وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالي، فانظر إلي إنصاف الداعي وإلي درجة المدعو له وقس به الأفران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوي الاقتداء بهؤلاء.”


“العلماء ثلاثة: إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرحون بطلب الدنيا والمقبلون عليها، وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون الخلق إلي الله سبحانه ظاهراً وباطناً، وإما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذي يدعو إلي الآخرة وقد رفض الدنيا في ظاهره وقصد في الباطن قبول الخلق وإقامة الجاه، فانظر من أي الأقسام أنت ومن الذي اشتغلت بالاعتداد له؟ فلا تظنن أن الله تعالي يقبل غير الخالص لوجهه تعالي من العلم والعمل.”


“أشفق على ولدك من إشفاقك عليه " علي بن أبي طالب رضي الله عنه”