“إن المغبون المسروق المظلوم الجائع الذي تحيط به القوانين وتكبله، ويرى في الوقت ذاته التجاوزات التي لا حصر لها لهذه القوانين، أو التمييز في تطبيقها، قد لايجد أمامه إلا العنف للرد على عصره.”
“إن منفذ التعذيب, بعد شحنه بفكر معين وعواطف وأحقاد خاصة, يشعر بأنه يؤدي خدمة خاصة "للسلطة التي يحترمها أو يخافها أو يهابها" أو للإيديولوجيا التي يؤمن بها. وهذه السلطة, هنا, هي الحكومة أو الشعب أو الحزب أو الطائفة أو الجماعة (الإثنية). (الخصم "الحر" يجب ان يصنف على أن لا إنساني, كما يقول دافيد كوبر في ديالكتيك التحرر, "وغير الإنساني يصبح غير إنسان .. وبهذا يمكن تدميره تدميرا تاما من دون أي احتمال لشعور بالذنب").ويقول سارتر في تقديمه لكتاب فرانز فانون (معذبو الأرض): "لما كان لا يستطيع أحد ان يسلب رزق أخيه أو أن يستعبده أو أن يقتله إلا ويكون قد اقترف جريمة فقد أقروا (يقصد المستعمرين) هذا المبدأ: وهو أن المستعمَر ليس شبيه الإنسان. وعهد إلى قواتنا (يقصد القوة الاستعمارية الأوربية) بمهمة تحويل هذا اليقين المجرد إلى واقع. صدر الأمر بخفض سكان البلاد الملحقة إلى مستوى القرود الراقية من أجل تسويغ أن يعاملهم المستوطن معاملته الدواب. إن العنف الاستعماري لا يريد المحافظة على اخضاع هؤلاء البشر المستعبَدين, وإنما يحاول ان يجردهم من إنسانيتهم".”
“عن فولتير: قد نكره مانشفق عليه لأنه يرينا الضعف الذي لا نريد الاعتراف به، أو لأننا نأنف من مساواته بأنفسنا”
“إن الذي حول الوحوش الضارية إلى مخلوقات مسلية في السيرك, وجعل الفيلة تقف على رؤوسها, والأسود تقفز كالبهلوانات, قد اكتشف أنه يستطيع أن يجري التحويل نفسه على الإنسان, حوله إلى مخلوف مسلوب الإرادة.”
“ولكن التعذيب بالتدريج يتسبب في حدوث تغييرات في المعذِب ذاته إضافة إلى التغييرات التي تحدث للمعذَب، فقد كان القضاء على الخصم يتم بالقتل، ولكن من خلال التعذيب، ومن خلال التخويف، بمعنى تحذير الناس من أن يفعلوا ما يعرضهم للتعذيب, يتم قتل الخصم، والآخرين، من الداخل من دون قتله، أو قتلهم، جسديا.”
“يتجاهل المستغِل,دوما , اسباب ما يسميه "غرائز العنف" لدى المستغَل. ولا يرى فيها, كما يقول سارتر في تقديم (معذبو الأرض) فسوته هو (أي قسوة المستغِل) وقد ارتدت وانقلبت عليه. ولا يرى في وحشية هؤلاء الفلاحين المضطهدين وحشيته هو وقد امتصوها بجميع المسام واصبحوا لا يستطيعون أن يبرؤوا منها.قلنا إن القناع الذي يحاول المضطهِد إحفاء توحشه وراءه هو أن الطرف الآخر (الضحية) ليس إنسانا, أو ليس إنسانا سويا. ومع أن "إنسانية" الإنسان السوي قد وصلت إلى درجة تشكل جمعيات للرفق بالحيوان فقد ظلت "حيوانية" الضحايا سببا كافيا لكل أنواع التعذيب والتنكيل والتشريد والقتل والإبادة.”
“ويرى إيريك فروم أن رغبة الإنسان في الثأر تصعيد لوضعه الشخصي, بحيث يعد نفسه فارض القانون ومحق الحق .. أي أنه يضع نفسه في مكانة شبيهة بمكانة الخالق.وعلى المستوى الجماعي يتحول "ثأر الدماء", التسمية لإيريك فروم, إلى واجب ديني له رموزه الدينية مثل صلب المسيح ومقتل الحسين. كما أن الإيذاء, وحتى إيذاء النفس, يرتدي صبغة دينية. إلى الرقص في حمى الاحتفال يدفع إلى تجريب الإيذاء الذاتي. وهذا ما نراه في حفلات الزار او حفلات عاشوراء أو في حفلات الرقص لدى أهل بالي. وفي الحالات كلها يريد الراقص أن يوحي بقداسته التي تعني عدم التأثر بالأذى عند التعرض له, ولا ينجح دوما في ذلك ولكن الجمهور يستمتع دوما وتأخذه الحمية الدينية. وقد تصل هذه الحمية الدينية إلى درجة إيقاع الأذى المتعمد في الذات, تعبيرا عن التفاني في المعبود أو المحتفى به أو الحالة كلها.”