“وممَّا يميِّز الدراسات النحويَّة الدلاليَّة أنَّها لا تنظر إلى النظام النحويِّ على أنه نظام تركـيبيٌّ افتراضـيٌّ ، ولكن على أنَّه نظـامٌ حيٌّ فعَّال في النصوص ، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعانيها ودلالاتها ، وهو حـينئذٍ لا يكون مقصودًا بالدرس لذاته ، بل يكون وسيلةً لبلوغ الدلالة وفهم النصوص”
“مِمَّا يميِّز نحو النصِّ: أنَّه يبدأ من حيث ينتهي نحو الجملة، فحتَّى منتصف الستِّينيات كان يُنظَر إلى الجملة وحدها على أنها الوحدة الأساسيَّة الَّتي يمكن تعيينها، ومن ثَمَّ هي متاحة للوصف اللغوي، أما نحو النص فهو يتجاوز الجملة، ويحدد النص بأنه " وحدة دلالية كبرى " ، ومع ذلك فمفاهيمه ليست خارجة عن نحو الجملة أو النحو القديم، بل التراث النحوي بما يحويه من مفاهيم وقواعد هو الأساس الفعلي للاتجاهات النصية، وهو منبع كثير من أفكارها وتصوراتها ومفاهيمها.”
“دائماً توجد علاقة وثيقة بين الشكل والمضمون، والعلاقات الكائنة في النص بين الأصوات والألفاظ والمعانى والصور الشعرية والقوافي، إضافة إلى التنغيم والإلقاء، هي التي يكون بها الشعر شعراً، وكل هذه العناصر مجتمعة تبني الشعر، وتساهم بدرجات مختلفة في كونه على ما هو عليه”
“يبدو لي أن الخلاف الجوهري بين نحو الجملة ونحو النص يتمثَّل في اقتصار نحو النص على مناط الإبداع وتخفُّفه من كثيرٍ من قضايا اللغة النفعيَّة كالصِّحَّة التركيبيَّة والالتزام الحرفي بالمعيار، حتَّى إنَّه حين يتناول مثل هذه القضايا التي هي جوهرية في نحو الجملة فإنما يتناولها لا ليقف عندها بل لينفذ إلى أغراض فنِّيَّة جوهرية بالنسبة له، هذا من حيث المهمَّة والهدف، كما أنه يختلف في مصادر استمداده كما سبق بيانه، ويُعدُّ في ذلك أوسع من نحو الجملة، يخطئ إذن من يقابل بين نحو النص ونحو الجملة ويجعل الأول دعوة لإلغاء الآخر، ومثله في ذلك كمثل من يقول إن غرفة الموسيقى في مدرسةٍ ما قد بُنيت من أجل هدم غرفة المدير”
“في مجال العلاقة بين الكلمات والمعاني، أو بين الشكل والمضمون، أو بين النحو والدلالة .. مجالٌ عميقٌ وواسع للاختلاف، وخصوصًا في اللغة العربية، ولعلَّ للثقافة الإسلامية دورٌ كبير في هذا الاختلاف، إذ يشبه الحديث عن اللفظ والمعنى حديثًا آخر عن الجسد والروح، فهما متداخلان، متشابكان، متعاونان متصارعان.والنظرة الفلسفية الدينية للموضوع تغلِّب دور الباطن، العمق، الروح، وهو المعنى في حالة الخطاب اللغوي، إذ كيف يعيش الجسد بغير روح؟ بل إن الأمور الروحية قد تقدِّم الجسد إلى ما يشبه هلاكه وفناءه، ولولا سطوة الروح على الجسد لما وُجِدت مفاهيم كالصوم مثلاً وهو حرمان مادي للجسد، والجهاد المحتمل للتضحية بالجسد وتقديمه إلى الموت، ولذا قُبل معنى "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" مع فساد لفظه.هذه النظرية تقول بكون الروح مديرًا ومدبِّرًا لأمر الجسد، أو بعبارة إنجيل يوحنا " اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا " [يوحنا 6/63 ] ، وعليه فكلُّ الأمور الظاهرة في السياق اللغوي هي خادمة مطيعة لأمر المعنى والمضمون. من جهة أخرى، وبالمفاهيم نفسها، نجد تأثير الجسد في الروح، فلكي تصل إلى السمو الروحي تحتاج إلى الصلاة، وهي حركة جسديَّة في الأصل، كما أن أصل الإسلام منوط بنطق الشهادتين في الظاهر، ولا يتعلَّق بأعمال القلوب، كذلك الزكاة ـ وهي فعل مادِّي ـ تؤثر في القلوب وتزكِّيها وتطهرها، كما أن الأفكار وخطرات النفس في المفهوم الديني لا عقاب عليها ما لم يتكلَّم المرء بها أو يعمل، وكأنَّ المعنى الكامن في الضمير لا وزن له ولا يجري عليه حكم، أمَّا كون الثواب على النية الحسنة فهو تفضُّل من الخالق جلَّ وعلا، وليس هو القاعدة المستمرَّة المطَّردة.ولعلَّنا لو نظرنا نظرة وسطى لما غمطنا حق اللفظ أو المعنى، ولوضعنا كلاًّ منهما في موضعه بما يستحقُّه، وبما لا يضرُّ بالطرف الآخر، فما دام أحدهما لا يوجد منفصلاً كان واجبًا رعاية حقِّهما معا.”
“سألتُ وصالا . . فزدتَ دلالا . . بقولكَ :لا لا!. . أجبتَ سؤالي وطال انتظاري . . على جمر نارِ . . وما باختياري . . جرى ما جرى لي”
“لا ينبغي أن يحزن المحسود، بل يفرح بغمِّ أعدائه، ويتمنَّى لهم طول العمر ليزيد عذابهم بحسدهم له.”